مغارة جعيتا: نبع من الاسرار لا ينضب هل ستكون مساء الجمعة احدى عجائب الدنيا السبع؟

 

 
تحقيق سلمى ابو عساف
 
 
علامة فارقة أرادها الخالق، فغلفها بالأسرار والألغاز، وكونها في رحم الطبيعة ليحميها من أي تشوه قد يلحق بها. وما أن أتت الساعة حتى حولها الى طعم لم يقو أي مستكشف على مقاومته. إنها مغارة جعيتا البالغة من العمر ملايين السنين والمحافظة دائما وأبدا، على جاذبية غامضة إستهدفت ولا تزال شريحة كبرى من الشباب المحب للمغامرة والعاشق للجمال. التاسعة من مساء الجمعة المقبل، هل ستكون احدى عجائب الدنيا السبع؟
 
اكتشافها
 
إكتشاف جزء من أسرارها، بدأ مع المستغور الأول الكاهن المرسل ويليام طومسون في العام 1836. إكتشف طومسون المغارة السفلى والنهر الجوفي لمغارة جعيتا، المرتفعة نحو مئة متر عن سطح البحر أثناء قيامه برحلة صيد في وادي نهر الكلب على بعد نحو ثمانية عشر كيلومترا شمال العاصمة بيروت (سميت إحدى صالات المغارة على إسمه). وكرت السبحة مع عدد من المستغورين الأجانب واللبنانيين منذ تلك الأيام، وهي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.
 
 في العام 1940 دخل المستغور اللبناني ليونيل غرة، للمرة الأولى، المغارة وتوغل مسافة أربعين مترا فقط، وفي العام 1954 تمكن أعضاء النادي اللبناني للتنقيب في المغاور بقيادة سامي كركبي من التوغل مسافة ستة آلاف ومئتي متر داخل المغارة حتى وصلوا الى المنبع الأساسي.
 
 
وفي العام 1958، إكتشف كركبي وفريق من المستغورين منفذا الى المغارة العليا، ولفتح هذه المغارة أمام الزوار حفر نفق بطول مئة وسبعة عشر مترا. وفي العام 1998 إكتشف المستغور فادي بعينو ممرات جديدة ليصبح طولها نحو عشرة آلاف متر. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ إنه أعلن في العام 2004 عن إكتشاف غرفة هوائية ومجرى مائي جديد في مياه النهر الجوفي للمغارة السفلى.
 
ويمثل سحر المناظر الطبيعية التي تعرف إليها زوار المغارة حتى اليوم، جزءا صغيرا مما تتضمنه في الواقع. البعض يعزو الأمر لأسباب إقتصادية بحتة، والبعض الآخر يقول أن المساحة المتبقية غير مؤهلة تماما لإستقبال الزوار.
 
عمود ماكسويل
 
في العام 1873، قاد المهندس ويليام ماكسويل من شركة مياه بيروت فريقا ضم المستغورين: الكاهن المرسل دانيال بليس، وهاكسلي وبريغستوك، الى مغارة جعيتا في محاولة لإستجرار مياه نهر الكلب الى بيروت. واجتاز الفريق خلال الرحلة نحو ثمانمئة متر من ممرات المغارة الداخلية. وعند نقطة الأربعمئة متر، وداخل صالة حملت إسمه، برز عمود ضخم من الكلسيت بإرتفاع خمسين قدما، هو الأول بين الأعمدة الضخمة الموجودة في المغارة السفلى وأطلقت عليه تسمية "عمود ماكسويل".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
قارورة بليس
 
وعلى بعد ستمئة متر من المدخل الرئيسي للمغارة السفلى، يظهر عمود كلسي داخل صالة "بانتيون" يرتفع ستة أمتار وسط المياه، ولقد إكتشفه فريق "ماكسويل" في نفس العام حيث وضع دانيال بليس قارورة زجاجية على قمته، وفي داخلها ورقة كتب عليها أسماء أعضاء الفريق الأربعة وأهم تفاصيل رحلة الإستكشاف التي قاموا بها.
 
وبعد مرور نحو خمسين عاما، وتحديدا في العام 1927، إكتشف فريق "وارد وطومسون" للمستغورين، الزجاجة على قمة العمود وقد غطت القسم السفلي منها طبقة كلسية ثبتتها الى العمود، فأطلقوا على هذا التكون تسمية زجاجة "بليس باتل ستلاغميت" لتبقى شاهدا تاريخيا على ما حصل.
 
 
 
 
 
 
 
كروسادر كولومن
 
اما العمود الثالث في المغارة السفلى، فهو "كروسادر كولومن"، المنتصب على بعد ثمانمائة متر، فيستقبل الزوار عند مدخل صالة "الكاوس" أو صالة الفوضى الكبيرة التي شكلت مركزا لإستكشافات عدة قبل الأربعينات. وقد أطلقت عليه هذه التسمية فرقة الكشافة من الأطباء الفرنسييين "لو كلان دي كروازيه"، ويبلغ إرتفاعه عشرين مترا.
 
 
 
 
 
أوبيليكس ستالاغميت
 
أما التشكل الكلسي الرابع، فهو موجود داخل مغارة "طومسون"، على مسافة ألفي متر من مدخلها، وهو على شكل نسر "ذا اوبيليكس ستالاغميت"، ويرتفع 15 مترا وقد أطلقت عليه هذه التسمية بعثة "وارد وطومسون" في العام 1927، وهو يبعد عن المجرى المائي نحو ثلاثين قدما.
 
 
 
 
 
"السال دو دوم"
 
اما صالة الدوم فمقببة السقف، إحتضنت داخلها عددا ملحوظا من الصواعد والهوابط التي التقت مع بعضها لتشكل أعمدة ضخمة في كثير من الأماكن، وهذه الأشكال تبرز بأقطار مختلفة، لكن ارتفاعها لا يقل عن الخمسة عشر مترا. وقد أطلق النادي اللبناني للتنقيب في المغاور تسمية "جيانت ستالاغميت أند كولومن سال دو دوم" على هذه الصالة في العام 1950. 
 
صالة ألف ليلة وليلة
 
بعد التوغل مسافة ثلاثة آلاف وثلاثماية متر داخل المغارة، تبرز مجموعة عملاقة أخرى من الصواعد والأعمدة أسماها الفريق اللبناني "قصر ألف ليلة وليلة"، وهو بإرتفاع يفوق الخمسة عشر مترا ويلامس بعضها السقف أحيانا.
 
الصالة البيضاء 
 
في العام 1963 إكتشف سامي كركبي، مع فريق من المستغورين اللبنانيين، صالة بيضاء ناصعة كالثلج إلتقط لها صورا عدة، ولكن الوصول اليها من جديد لم يكن بالأمر السهل. لذلك لم يتم تحديدها ورسمها على الخارطة قبل العام 2005.
 
 
 
 
 
 
 
وبعد إنتهاء الحرب اللبنانية في العام 1990، ذكر كركبي أعضاء النادي بضرورة العودة لإستكشاف هذه الصالة. وفي هذا السياق أكد أحد أعضاء النادي عصام أبو جودة،، أن المحاولة كانت في العام 2003 حيث قرر الفريق الصعود من المغارة السفلى عكس التيار للوصول الى هذه الصالة لكنها باءت بالفشل نظرا لقوة التيار المائي، وعدم توفر التجهيزات اللازمة لتنفيذ المهمة، ثم كانت المحاولة الثانية في العام 2005، ولكن في هذه المرة، وبحسب ما أوضح أبو جودة، تقرر النزول الى الصالة من المجرى الرئيسي في داريا.
 
وبعد أن تسلق الفريق نحو ثمانين مترا إنطلاقا من صالة الدوم، تم الوصول الى باب الصالة المستطيل الشكل، وعند الباب، حيث يوجد بركة مائية كبيرة، نزعت كل التجهيزات، حتى الأحذية لعدم التسبب بتضرر الطبقة الكلسية المرهفة التي تكسو الأرض. وفي الداخل يصف أبو جودة المنظر بالخلاب لنصاعة بياض هذه الصالة حيث الصواعد، الهوابط والأعمدة، إضافة الى شكل جديد مخروطي عريض عند القاعدة ومقبب الرأس. ومن أبرز ما عثر عليه في هذا المكان، مجموعة من الوطاويط النافقة والى جانبها وطاويط قد تحجرت بفعل الطبقة الكلسية التي غمرتها، وهذا ما دفع بالفريق لأخذ عينة منها لإجراء أبحاث حول الموضوع لإكتشاف المزيد من المعلومات، مع الإشارة الى أن الصالة تبعد نحو أربعة كيلومترات عن المدخل الرئيسي للمغارة.
 
الصالة الحمراء والبيضاء 
 
أعاد النادي اللبناني للاستغوار في العام 2007 إستكشاف الصالة الحمراء والبيضاء في المغارة المتواجدة عند الضفة الشمالية للنهر الجوفي والتي كانت قد إستكشفت للمرة الأولى في العام 1954، واطلقت عليها هذه التسمية نظرا لاحتوائها على تشكلات حمراء اللون مكونة من رواسب الطين ومعادن أخرى اضافة الى تشكلات كلسية بيضاء. وهي عريضة القطر وتملأها البرك المائية الصغيرة الحمراء التي لا يزيد عمقها عن الثلاثين سنتمترا. وتمتد على طول مئة وأربعين مترا وتنقسم الى قسمين منفصلين لا يلتقيان، الأول بطول ستين مترا والثاني بطول ثمانين مترا، ويميز مدخله تدفق كلسي تبرز منه تشكلات غنية ومنوعة وينتهي ببركة كبيرة مغمورة بالمياه.
 
 
 
 
 
صالة بعينو 
 
إكتشفها المستغور اللبناني فادي بعينو وحددها على خارطة المغارة. ثم أعاد النادي اللبناني للتنقيب في المغاور عملية الإستكشاف، وأضاف الى هذه المساحة المدونة على الخارطة خمسمئة متر إضافية تم إكتشافها في هذا المكان المؤلف من دهاليز عدة مزينة بالصواعد والهوابط. ويمكن الوصول الى "صالة بعينو"، التي تمتد فوق الممر الرئيسي للمغارة، بالتسلق نحو ثلاثين مترا من بولفار النادي اللبناني للتنقيب في المغاور.
 
هذا وتغتني المغارة العلوية أيضا بتشكلات كلسية عملاقة عند مسافة المائة متر حيث ينتصب عمود كلسي ضخم بارتفاع عشرين مترا مزين باشكال كلسية، وقد إكتشف في الستينات ومنح إسم "ايسينغ كولومن" في القرن الواحد والعشرين. 
 
وبإختصار شديد، كلما توغلت داخل المغارة تكتشف المزيد من التكونات، التي أقل ما يقال عنها أنها من عجائب الله.
 
 
 
 
 
بداية الإستكشافات الجديدة
 
إكتشف القسم العلوي من المغارة في العام 1958 على يد فريق النادي اللبناني للتنقيب في المغاور. وأبصر مشروع تجهيزها النور في العام 1963 بدعم وتشجيع من الرئيس فؤاد شهاب. نفذت عملية المسح لتحديد مدخل النفق المؤدي الى الصالات العليا. وصمم المهندس اللبناني غسان كلينك بالتعاون مع سامي كركبي، الطريق داخل المغارة ونفذ التمديدات الكهربائية الداخلية والإضاءة المهندس الكهربائي خليل غانوني. وبهدف حماية هذه الجوهرة الفريدة في الشرق الأوسط تمت مصادرة نحو مئة وستين ألف متر مربع من الأراضي المطلة عليها والتي تعود ملكيتها الى آل صفير (إستردوا قسما منها في العام 2007)، آل طعمة والآباء البوليسيين. تتضمن الصالة العليا للمغارة جزءا سفليا يمتد على مسافة ثمانية وتسعين مترا (يشكل مخرج النفق الحالي) وجزءا أعلى يمتد على مسافة مئة وواحد وستين مترا. وقد تضمن المشروع الرئيسي لتجهيزها إنشاء نفقين: الأول في القسم العلوي ليكون نقطة إنطلاق للزيارة السياحية ويمتد على مسافة مئة وستة عشر مترا، والثاني يمتد على مسافة مئة وعشرين مترا وهو مخصص للخروج من المغارة.
 
أما الزيارة السياحية للمغارة، فهي تشمل مسافة تسعمئة متر من المغارة (بدلا من الأربعمئة وخمسين مترا المستعملة اليوم) وهي تتيح للزائر إكتشاف مناطق جديدة غنية بالترسبات الكلسية. ولأسباب عملية وإقتصادية، تقرر في ذلك الوقت إنشاء النفق المخصص لخروج الزوار كمرحلة أولى، على أن يتم إنشاء النفق الثاني في العام 1975، لكن الحرب حالت دون تنفيذ هذا المشروع. وفي شهر تموز من العام 1975 قررت بلدية جعيتا، بالإتفاق مع العاملين في المغارة ومستكشفي المغاور، إنشاء حائط لسد مداخل المغارة العليا والسفلى بهدف حمايتها. وفي العام 1981، أعيد فتحها لتعود وتغلق مجددا في العام 1982 إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان. وبعد تعرض بعض منشآتها الخارجية للدمار والقصف والبعض الآخر للسرقة، لزمت مغارة جعيتا لشركة "ماباس الألمانية" في العام 1995.
 
مغارة هوائية تحت المياه
 
في العام 2004، وبمبادرة فردية، قرر ثلاثة غطاسين لبنانيين محترفين هم: جو خوري، جوزيف شربين وحبيب حداد، الغوص في مياه المغارة السفلى لإستكشاف ما تحتضنه هي الأخرى من أسرار وروائع تكونت على مد العصور، فسجلت محاولات خجولة أوقفتها الظروف الأمنية الصعبة التي شهدها لبنان إثر إغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005. ثم عادت لتنطلق من جديد، وكانت أولى ثمارها إكتشاف مجرى مائي جديد يغذي مياه المغارة بنسبة 14% ولكنه مجهول المصدر حتى الساعة.
 
 
 
 
 
 
 
كما إكتشف الغطاسون الثلاثة، تكونات على جدران الممرات المائية تشبه بطبيعتها تلك التكونات الموجودة في المغارة الجافة، وفي هذا الإطار يشير الغطاس جو خوري الى أن هذا الأمر قد يكون مؤشرا الى وجود مغارة أخرى جافة.
 
 
 
 
 
 
 
جو خوري
 
وعن هذه المهمة يقول جو خوري: "إنه من المعروف أن المنطقة التي غطسنا فيها لم يغطس فيها أحد من قبل، وقد أصر الجميع قبل قيامنا بهذه المهمة على عدم التمكن من الغطس لأن نوعية المغارة وسقفها، إضافة الى عوامل أخرى، لن تساعدنا على الغطس وهي بالتالي غير مؤهلة لذلك، وذهب بعضهم الى القول بأنه لا يمكن إكتشاف أكثر من عشرين أو ثلاثين مترا تحت المياه، ولكن اليوم أستطيع القول أننا تمكنا، وعلى الرغم من التجهيزات المتواضعة التي نمتلكها وفي غياب أي دعم، من الوصول الى عمق خمسة وثلاثين مترا والدخول مسافة مئتين وخمسين مترا تحت المياه، لنتوقف مؤقتا عند هذا الحد نظرا لخطورة المرحلة المقبلة وضرورة أن تكون تجهيزاتنا عالية التقنية. وهذا ما نسعى حاليا الى تأمينه من خلال إدخار بعض الأموال لنتمكن من شراء هذه التجهيزات التي سنكمل بها مرحلة الإستكشاف".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
شربين
 
من جهته أكد الغطاس جوزيف شربين أن الصدفة لعبت دورا كبيرا في التمهيد لهذه العملية، ذلك أنه وجو خوري كانا قد قررا، من دون أن يعلم أحدهما بقرار الآخر، ألا يدخلا المغارة إلا غطسا. وبالفعل حصلا على الإذن من مدير المرفق نبيل حداد، بعد أن علم بحرفيتهما في هذا المجال، ورافقهما الغطاس المتمرس حبيب حداد. أما الدافع الثاني، فكان أنه منذ الأربعينيات لم تجر أي محاولة لإستكشاف الأجزاء المائية من المغارة، وهذا ما أثار حشرية الشبان الثلاثة وبخاصة لناحية الغطس انطلاقا من النقطة التي يتوقف عندها زورق الزوار ليعود الى نقطة الانطلاق .اما الخبرة التي اكتسبها هذا الثلاثي المغامر في مجال الغوص في المغاور المائية، فكانت تزيدهم اقتناعا بأنه من الصعب جدا عدم وجود أشياء مثيرة للاهتمام في مثل هذه الأملاك فإقتضت العملية المغامرة.
 
وإتفق الشبان الثلاثة على أن اللحظات التي لا يمكن أن تنتسى، هي تلك التي رافقت إكتشاف باب المغارة المائية. فيقول خوري: "صعدنا نحن الثلاثة الى أعلى لنقرر من سيدخلها أولا. وكان لي هذا الحظ بأن أكون الأول".
 
بعد الدخول مسافة تفوق الخمسة وعشرين مترا من نقطة الغوص، ووسط ممرات ضيقة جدا وقبل عشرة أمتار من باب المغارة، يضيق الممر كثيرا ثم يظهر باب مغارة نصفها جاف. وهي ما أطلق عليه الفريق إسم "غرفة الهواء"، التي يرتفع سقفها نحو 15 مترا ويتراوح قطر بعض أقسامها ما بين المترين والعشرة أمتار. 
 
مسح مائي وخرائط أولية للنهر الجوفي
 
 
 
 
 
 
 
تمثلت مهمة الغطاس جوزيف شربين بتصوير جميع عمليات الغطس بأدق تفاصيلها. كذلك رسم الخرائط المائية للمغارة. وعن خبرته في هذا المجال يوضح شربين أن مهمته كغطاس في المغاور تتميز عن مهمة مسكتشفي المغاور، فهؤلاء يسيرون الى أن يصلوا الى المياه وعندها تتوقف المهمة. أما هم كغطاسي مغاور، فمهمتهم تستكمل في المياه أيضا لإكتشاف أي جديد. ويؤكد أن أهمية الإكتشافات التي تحققت ترتكز على ثلاث نقاط:
 
 
 
 
 
النقطة الاولى هي ان مغارة جعيتا هي المغارة الأولى في الشرق الأوسط التي أصبح لديها خرائط مائية ثلاثية الأبعاد. والنقطة الثانية لها علاقة بالشقين الإيدرولوجي والجيولوجي، فالطبقة الجيولوجية التي يتم الغطس فيها مكونة من نفس الطبقة الصخرية التي تتألف منها المغارة، وهذا ما يدل على أنها إمتداد للمغارة. أما العثور على غرفة هوائية على بعد ثلاثين مترا من المغارة، فهذا أيضا دليل على أنه من الممكن العثور بعد المئتين وخمسين مترا على شطوط رملية ومغارة هوائية كبيرة كما حصل في مغاور مائية أخرى في العالم منها مغارة "واكولا كايفز" في المكسيك التي بدأ العمل فيها منذ ثماني سنوات ولم ينته حتى اليوم. أما النقطة الثالثة وهي الأهم بالنسبة للدولة، فهي إمكانية إستثمار فروع مائية جديدة وتوجيهها الى المصب الرئيسي ما يزيد نسبة ضخ المياه.
 
 
 
 
 
ويوضح شربين أن الممر الذي غطس فيه الثلاثة قبل الوصول الى نقطة المئتين وخمسين مترا هو الأكبر من حيث العرض، وأنه مع اقترابهم الى هذه النقطة، وعلى عمق إثنين وثلاثين مترا، دخلوا غرفة مائية ضخمة، وبعد إضاءتها بالفوانيس الخاصة لم يتمكنوا من رؤية سقف الغرفة ولا من تحديد جنباتها، وعند هذا الحد توقفت عملية الإكتشاف لحاجتهم الى تجهيزات أكثر تقنية والى بزات خاصة حيث تفوق قيمة هذه التجهيزات الثمانية آلاف دولار للغطاس الواحد. وأكد أنهم متابعون لتحقيق هذا الحلم، ولو على نفقتهم الخاصة، لأنه بعد الوصول الى ما وصلوا إليه لا يمكنهم التراجع.
 
 
 
 
 
وعن حرارة المياه، التي بقيت ثابتة في كل المستويات التي غطسوا فيها، يقول شربين أنها بمعدل أربع عشرة درجة، ولأنهم أرادوا أن يتأكدوا، وبالإمكانيات المتوافرة لديهم، عما إذا كان هناك تواجد لأنواع معينة من الحيوانات التي تعيش في الأعماق ولها خصوصيتها، ربط قطعة خشبية في مكان محدد وتركها لتنمو عليها الطحالب وتأتي هذه الحيوانات لتقتات منها، ولكنه لم يعثر على شيء والحيوان الوحيد الذي رأوه في الممر هو الحنكليس، ولكنهم يعتقدون أنه وصل الى المغارة بفعل فيضان نبع نهر الكلب. هذا مع الإشارة الى أنه كان قد صور نحو ثلاثمئة وخمسين فيلم فيديو لمغاور مائية مختلفة.
 
حبيب حداد
 
وعن هذه المهمة يشير الغطاس حبيب حداد الى أن المخاطر موجودة أينما كان وفي كل مكان وعامل الخبرة له دور كبير في مواجهة أي خطر تحت المياه، وكذلك هدوء الأعصاب، لأن التوتر قد يمنع من السيطرة على الموقف حتى في أبسط الأمور. وقال: "نحن نعلم بأن هذه الهواية محفوفة بالمخاطر، ولكننا مؤمنون أن الله معنا، لأننا نريد أن يتعرف أبناؤنا ومواطنونا الى كنوز بلاد الأرز المغمورة، وهذا يستحق المخاطرة. خبرتنا في هذا الإطار عامل هام جدا، إضافة الى الدورات التدريبية التي خضعنا لها في لبنان وفي الخارج، وإطلاعنا الدائم على أحدث ما تم التوصل اليه من إكتشافات وتقنيات متطورة في هذا المجال. ومن أشد المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها أي غطاس مغاور، هو توحل المياه وإصابته بالذعر لعدم تمكنه من الرؤية، وبذلك يضطرب ويفقد كميات كبيرة من الأوكسجين بسبب محاولاته المتكررة للخروج من الموقع الذي هو فيه وغالبا ما تبوء محاولاته بالفشل. أما توحل المياه فهو قد ينتج بسبب فقاعات ثاني أوكسيد الكربون التي تخرج بفعل تنفس الغطاس تحت المياه، وهي ما أن تلامس كتل الطين الوحلية حتى تفككها، فإذا كانت ملتصقة بالسقف عندها تتفكك بسرعة وتسقط بوتيرة عالية في المياه التي تتعكر بشكل كبير وتمنع الرؤية عن الغطاس.
 
 
 
 
 
وعن هذا الأمر يعلق حداد قائلا: "لقد دخلت الغرفة المائية الضخمة أولا وبمفردي وقمت بتنظيف سقفها من الوحل بإعتماد تقنية خاصة، وهي أنني أدخلت معي قارورتي أوكسجين وبدأت أطلق ثاني أوكسيد الكربون بوتيرة عالية ولمدة ست دقائق، وبشكل متقطع، ولكنني كنت مزودا بالحبل الذي يربطني برفاقي المنتظرين على بعد مترين مني، ولكن خارج الغرفة، أي أنني كنت مستعدا لهذا الأمر. وبالفعل نظفت السقف بشكل كامل من هذه الكتل ومن ثم دخلنا جميعا الى الغرفة لمتابعة إستكشافها بشكل أفضل، ولكن وما إن شعرنا بأن معداتنا لا تؤهلنا من التقدم أكثر، توقفنا عند هذا الحد بإنتظار أي دعم حكومي أو خاص، واذا لم يتوفر هذا الدعم سنتابع على نفقتنا الخاصة هذه المهمة المؤمنين بها".
 
عصام ابو جودة
 
بدوره يقول المتخصص في علوم الهيدرولوجيا والجيولوجيا الدكتور عصام أبو جودة أنه من المحتمل جدا أن تكون مغارة جعيتا، من المغاور التي كانت مكشوفة بالكامل ومن ثم غمرت بالمياه، لأنه في العصور الجيولوجية كان مستوى المياه في البحر المتوسط أدنى بنحو مئة متر عن مستواه الحالي، وإرتفع منسوب هذه المياه فغمرت المغاور القريبة من الشاطئ. مثالا على ذلك أيضا نبع القشقوش القريب من مغارة جعيتا، فبعد الغوص داخل مغارته تم الوصول الى مغارة جافة وجد فيها عظام وأجران فخارية. وما إكتشف حاليا من تكونات داخل بعض الممرات المائية في مغارة جعيتا، قد يكون مؤشرا الى وجود مغارة أخرى، لأن هذه الأشكال لا تتكون تحت المياه، أما المؤشر الثاني فهو معرفة ما إذا كانت نوعية الصخور المغمورة بالمياه هي من نفس نوعية تلك الموجودة في المغارة الجافة، وهذا قد يكون مؤشرا آخرا على وجود مغارة أخرى.
 
المغارة الاكبر في لبنان
 
إن مغارة جعيتا، بمساحتها الممتدة على طول 12 كيلومترا، تعتبر الأكبر في لبنان، ولكن يوجد مغاور أخرى لا تقل أهمية عنها كمغارة الكسارات الرائعة، والمهددة بالزوال بسبب الإهمال البيئي اللاحق بها وعمل الكسارات المحيطة بها والذي لا يراعي أي شروط لحمايتها والحفاظ عليها. هذا مع الإشارة الى وجود خمس مغاور سياحية في لبنان، وهي: مغارة قاديشا، عين وزين، كفرحيم، الريحان وجعيتا. ويبلغ عدد المغاور في لبنان نحو السبعمئة مغارة.
 
وتعتبر مغارة جعيتا معلما أساسيا لعلم المغاور في الشرق الأوسط منذ العام 1881. وهي من أجمل المغاور وأكبرها، حيث يوجد فيها أكبر التشكلات من ناحية البرك والصواعد والهوابط، وفيها أكبر لؤلؤتين "لؤلؤة المغارة" بحجم عشرين سنتمترا الواحدة، (تحفظ أبو جودة عن ذكر مكانهما). ويرى أنه من الأفضل إستعمال تقنية بديلة وأسلوب بديل لناحية مدخل المغارة العلوي، الذي بشكله الحالي يساهم في إدخال الهواء بشكل كبير الى قلب المغارة، وهذا من شأنه أن يضر بالتشكلات الموجودة داخلها، حيث يجب الحفاظ على حرارة معينة ورطوبة معينة لئلا تتعرض لخطر الجفاف أو نمو الطحالب التي تؤدي الى تضررها.
 
ناجي صفير
 
ويعتبر الدكتور في التخطيط السياحي وعضو جمعية "فور ليبانون" الداعمة لترشيح مغارة جعيتا لمسابقة عجائب الدنيا السبع، ناجي صفير، أن مغارة جعيتا إرث تاريخي ووطني وثقافي، ومن حق الشعب اللبناني أن يتعرف إليها على غرار بعض المتاحف العالمية التي تفتح أبوابها مجانا لأبناء الوطن في مهلة زمنية محددة. ويوضح أن الزوار لا يروا إلا 5% مما تحتضنه مغارة جعيتا من روائع، مشيرا الى معلومات غير مؤكدة تفيد أن مغارة جعيتا تمتد الى سهل البقاع، كما ينبه الى ضرورة تزويد المغارة بباب خاص بالمغاور يساعد على الحفاظ على درجة الرطوبة والحرارة الخاصة بالمغارة، لأن من شأن مثل هذه التغيرات أن تضر بالتكونات الكلسية كما هو حاصل اليوم عند مدخل المغارة، وتحديدا عند الثلاثين مترا الأول، حيث الصواعد والهوابط أصبحت جافة، ونمت الطحالب على قسم آخر منها، وكل ذلك بسبب عدم الحفاظ على درجات الرطوبة والحرارة الخاصة بالمغارة لعدم وجود باب خاص مصمم بالتقنية اللازمة لحماية المغاور.
 
وختم صفير مؤكدا ان ادراج اسم مغارة جعيتا على لائحة عجائب الدنيا السبع من شأنه ان ينعكس بصورة ايجابية جدا على الوضع الاقتصادي في لبنان بسبب الارتفاع الملفت الذي سيشهده عدد السياح الاجانب للتعرف الى هذا المرفق السياحي العالمي. 
 

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب