الصوم الأربعيني الكبير عبور إلى أعماق الذات لبلوغ القيامة

تحقيق ندى القزح


وطنية - في زمن الشتاء والأمطار والثلوج يطل علينا زمن الصوم والقيامة في كل سنة، وكأن التدبير الإلهي قد رتب الفصول ليتزامن تعبير الطبيعة برياحها وعواصفها على أرض الإنسان، مع أيام جهاد المؤمن في مسيرة الصوم والآلام، ليدخل في نهايته إلى سر الفصح المقدس: قيامة المسيح المجيدة.

غاية الصوم

بدأ الرب يسوع المسيح حياته العلنية بصوم دام أربعين يوما، وفي نهايته تعرض للتجارب وانتصر عليها. كذلك، المؤمن مدعو أيضا ليصوم ويتحضر على مثال معلمه متسلحا بفضائل الروح: الصلاة، التوبة، الصوم والصدقة، ليتمكن من مواجهة تجارب الحياة وصعوباتها ويصل إلى ميناء الخلاص.


فالصوم هو زمن الجهاد الروحي بامتياز، إنه محطة سنوية للتجدد بالإيمان، من خلال الممارسات التقوية والعودة إلى الذات في سبيل التوبة. لذلك، يبدأ زمن الصوم في اليوم الأول برتبة تبريك الرماد في الكنيسة والتي تهدف إلى مساعدة المؤمن على عيش مسيرته بتوبة ونقاوة، من خلال دهن الجبين به على شكل صليب، كدليل إيمان وفعل تواضع وإقرار بأن الإنسان مخلوق ضعيف مجبول من التراب وإليه يعود، ولكنه مدعو ليصير على صورة الله ويتحول من التراب إلى النور.


ولأن الكتاب المقدس في العهد القديم ذكر أهمية الرماد بكثرة، تم اختيار الرماد ليتحضر من أغصان الزيتون التي تبارك من أحد الشعانين في السنة السابقة. فتتيبس الأغصان ثم تحرق وتطحن لتصبح رمادا ويتم الصلاة على الرماد ويتبارك الماء، ثم يمزج الماء مع الرماد ويوضع على جبين المؤمنين والمؤمنات.

إن مادة الرماد تدل في معظم الديانات على هشاشة الطبع البشري وغياب قيمته بعيدا عن الله، وهو يتكون من رواسب اشتعال المادة ويرمز إلى ما تبقى من الإنسان بعد احتكاكه بنار الحياة أي بعد مماته. لذلك، يشارك المؤمن برتبة الرماد ليتوب ويتطهر من خطاياه ويتحضر روحيا ومعنويا لحدث القيامة، وقد تم اعتماد هذه الطريقة بعد انعقاد مجمع نيقية.

آداب الصوم

إن الشرقيين يطوون اثنتي عشرة ساعة ويمتنعون عن كل مأكل ومشرب من منتصف الليل حتى ظهر اليوم التالي. ولهم في الشطر الآخر أن يأكلوا ويشربوا في أي ساعة، بخلاف الغربيين الذين يصومون من منتصف الليل حتى الصباح، حين يحل لهم تناول شيء خفيف من الغذاء معظمه من السوائل يكتفون به قوتا حتى الظهر، ثم يصيبون شبعهم طعاما وشرابا حتى منتصف الليل. ويتنوع تطبيق هذا الفرض في الصوم الأربعيني المقدس بتنوع الطقوس الكنسية.

عندما نتحدث عن الصوم لا بد أن يقترن بالقطاعة عند بعض الصائمين، وهي الامتناع عن اللحوم ومرقها وعن البياض أي الأجبان والألبان على أنواعها والزبدة. أما السمك فيسمح به في أيام معينة.

وتدعو الكنيسة أبناءها إلى أن يقرنوا صيامهم برفع الصلوات الحارة، والمشاركة في الصلوات الطقسية وممارسة أعمال البر والإحسان والاهتمام بالمحتاجين، من خلال التقشف والتخلي عن بعض الملذات لمساعدة من هم أشد فقرا وعوزا، خفية لا علنا عملا بوصية السيد المسيح: "وأما أنت فمتى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك". (انجيل متى3/6).

وهكذا يعود زمن الصوم بكنوزه في كل عام، ليقدم إلى المؤمنين فرصة جديدة من أجل حياة أفضل ملؤها البركة والخير، النمو في الفضائل الروحية والتحرر من المادية المهيمنة في عالمنا.


====================

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب