لقاء حول كتاب الدكتور شربل داغر صَنعة العربيّة" من التنزيل الى التأليف" في الحركة الثقافية

وطنية -  المتن - أقامت الحركة الثقافية لقاء حول كتاب الدكتور شربل داغر " صنعة العربية .. من التنزيل الى التأليف" في مقرها في دير مار الياس - أنطلياس، شارك فيه الدكتور وجيه قانصوه وأدارته الدكتورة أسمهان عيد الياس.

 

الياس

بعد النشيد الوطني اللبناني رحبت الدكتورة الياس بالحضور وقالت: "نتحلق في هذه الأمسيّة حول كتاب الباحث، الدكتور شربل داغر، بعنوان: "صنعة العربيّة من التنزيل الى التأليف"،​عنوان ملفت، يطرح أسئلة كثيرة، ويتضمن صفحات تجاوزت الاربع مئة، عمل مضنٍ، إمتد على أعوام وأعوام، ولكنه خرج بعدها، "من أهم ما انتجه الجهد البحثي، والدرسي، والتاليفي عبر تاريخ تشكل المدونة" على حد قول، الكاتبة، والروائيّة السورية، سوسن حسن".

 

وأشارت الى أن "الباحث  انهم في هذا الكتاب، بأزمة العربية، وإصلاحها، فانبنى "على ثلاثة محاور: القرآن، العربية، الكتاب الزمني. وهي محاور قائمة بنفسها ومتعالقة، قابلة للدرس في كل واحدٍ منها. لكنها ذات صلات وتفاعلات واجبة فيما بينها في السياق التاريخي، مقرا بأن للعربيّة مشاكل في كتابتها، في إملائها، اذا احتفظت بأعراض متأتيّة من حيواتها التاريخية السابقة والمتعددة"، متسائلا: "كيف يمكن إصلاح العربية، وحل جميع معضلاتها؟ وما الجهة، أو الجهات، التي يمكن لها أن تقرر وتدبر سياسات العربية؟" .

 

كما نقلت عن المؤلف "اعتباره أن العربية اليوم، تتمثل في لغتين: الفصحى والعامية، ما المقصود بالعربيّ؟ أهي لغة الجاهلية؟ أم عربية القرآن؟ أهي العربية التي يتحدر منها الشعر النبطي أو الزجل اللبناني والسوري والعراقي وغيره؟ أيجوز في اللغة، وهي استعمالات الكلام، غير المتوافق، أو المنسجم، أن يكون لها "تمام" الفعل الإلهي، وقدسيّة الكتاب الديني؟ وأن يكون لها أن تتفوق على غيرها؟ هل ساهمت النظرة التبجيلية للغة في إنغلاقها في وجه محاولات الإصلاح؟"، مشيرة الى أن "هذه الإشكاليات وغيرها، عالجها الباحث في سفره هذا. الغني بمضمونه، والسهل بعبارته، والواضحُ بأسلوبه، والراقي بلغتة".

 

قانصو

بدوره رأى قانصو أن "مؤلف صنعة العربية يعرض سفر تكوين جديد، هو تكوين العربية التي نتداولها ونفكر بها. فالعربية ليست شيئا أنتجته الطبيعة، وتطور وفق موجبات النمو المألوف، بل هي صنعة وتأليف، كائن مولد، فرضه حدث مفصلي في تاريخ العرب، هو حدث الوحي أو حدث التنزيل الذي جاء بلسان عربي مبين (أو هكذا قال عن نفسه).  تنزيل لم يكتف بتوحيد العرب وبناء مركزية شديدة الالتصاق بمبدأ الله الواحد، بل انغرس عميقا في التكوين العربي، في مخياله، روابطه وتضامناته، مشرعيات السلطة فيه، مرجعيات تفكيره، والأهم من ذلك مجال نطقه وتعبيره.  وإذا كانت مدينة الله التي أكد أوغسطين بأنها من خارج هذا العالم، فإن التنزيل أراد لمدينة الله أن تسكن في الأرض، وتكون أمراً عينيا معيشا ومحسوسا، إضافة إلى أن تكون منطوقا ومدونا. 

أضاف: "بين المؤلف حدوثات متعددة لهذا التنزيل ليصبح مصحفا مدونا ومقروء. هي حدوثات تمثلت بمسارات لغوية ثلاثة: أولها مسار التنزيل والاستقبال والتبليغ والتلقي، ثانيها مسار الجمع والتدوين والتداول ونشوء الوثيقة الرسمية المكتوبة، ثالثها مسار التقعيد والعلم والكتاب لكل ما يحيط بوثيقة التنزيل أو المصحف من تفسير وتشريع وعلومِ لغة".

   

وتابع: "يرى المؤلف أن تجربة التدوين شكلت تحديا، أو حركت سؤالا لعدم وجود قواعد متسالم عليها للكتابة أو تدوين اللغة، فالعلاقة بين النطق والتدوين لم تكن مقرة، وقواعد الكتابة لم تكن متبعة وربما لم تتوافر لبعضهم الكتابة بحكم الإرتجال ووالتدبر. كما إن اللغة لم تكن تحظى بمقومات معلنة ومقرة بخاصة بالتدوين ومتوافقة بين هذه القبيلة أو تلك. وهو تباين أتاح وجود ارتجال أو تدبير في الكتابة نفسها. وهو ما ظهر في التباسات وتداخلت ممكنة بين الصوت والحرف ولا سيما في الحركات: ملك أو ملاك أو مالك" .

 

وأشار الى أنه "لذلك كان لا بد من تأسيس مرجع لغوي من بين المراجع، وهو لغة قريش وتقديمها على غيرها، والتعالي بها إلى حد اعتبارها لغة كاملة ومقدسة. بالتالي باتت مرجعية لتدوين النص القرآني، ومرجعية لحل أي اختلاف بين الناس حولها. "إذا اختلفتم في شيء من القرآن فاكتبو بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم" وما جاء عن الخليفة الثاني عمر: لا يملين في مصاحفنا إلا غلمان قريش وثقيف".

 

واعتبر "ذلك إجراء أدى برأي المؤلف، إلى النظر إلى سابق القرآن ومحيطه اللغوي بكثير من الاستعلاء، بأن أقام  لغة القرآن أو قريش، مرجعا ونموذجا يقاس عليها قرب أو ابتعاد باقي اللغات، بدل أم يكون لغة القرآن أو قريش لغة مثل غيرها.  بالتالي باتت لغة النص القرآني (قريش) اللغة التامة التي يتوجب دينا وفصاحة، الارتقاء إليها فيما يتم النظر إلى غيرها لغات القبائل بوصفها متبقيات وانحراف عن اللغة التي باتت المرجع.". 

  

 

وقال: "يخلص المؤلف إلى القول أنه على الرغم من أن كيان العربية تاريخي ومفتوح وانبنى على اجتهادات واقتراحات في أبنية العربية من دون أن تبلغ التوافق الثبوت النهائي. إلا أن لهذه للعربية سيرة مذهلة بين ما كانت عليه قبل التنزيل وما آلت بعده. إذ تحولت إلى لغة الله وعلامة السيادة وعقلا لتفكير . بل أصبحت المثال الذي بات واقعا لملايين الناس".

 

أضاف: "بقدر ما مثلت العربية تاريخا مفتوحا، واجتهادات واقتراحات،بقدر ما استحالت قانونا ومرجعا، أفقدته القدرة على أن يستوعب ما استجد لاحقا عليها، سواء أكان في المفاهيم أو طرق التعبير والمفردات، فالإكتفاء الذاتي ولد فكرة "يكفينا ما عندنا"، وهي معضلة تجلت بوضوح حين حاول العرب فهم المستجد في الغرب، فبدلا من فهمه لجئوا إلى طريقة قياس الشاهد على الغائب".

 

ولاحظ في الختام أنه "ورغم أن الكتاب ظل عرضة للغات التي فرضت قراءات متعددة، إلا أن التداول والاستعمال والنقل لم يكن يحصل بطريقة عفوية وطبيعية، بل كان هنالك سلطة تتدبر أمره وتعتني به. بل يمكن القول إن عملية الجمع كلها، وجزء من التدوين كانت بفعل تدبير سلطة تتابع شؤونه وتحرص عليه وتمنع من سوء استعماله أو التلاعب به. بالتالي سؤال التدوين لا يتقصر على الكفاية اللغوية في استجابة التدوين للحاصل اللغوي الموجود، وإنما على عمليته التاريخية، التي حصلت بشروط بشرية اعتيادية، بالتالي فإن التدوين ليس حدثاً لغوياً فحسب، بل هو أيضاً حدث اجتماعي سياسي ثقافي".

 

داغر

من جهته شكر المؤلف الجهة الداعية معتبرا الحركة الثقافية "بيته" وقال: "أحب وأرغب أن يكون لقاء الليلة بسيطا بعض الشيء بسبب تعقد المسائل  التي يتناولها الكتاب وأنا ما كنت أتوقع لهذا الكتاب أن يمنع وهو منع، على الرغم من كل الدقة والحرص ليس  من باب الأخلاق، وإنما من باب الرصانة الأكاديمية اللازمة في مثل هذا الموضوع الجريء  في حد ذاته".

 

أضاف: "بدأت في التحضير لهذا الكتاب منذ أواسط الثمانينيات في باريس، لكني لم أتمكن من كتابته إلا في السنوات الأخيرة. هذا الكتاب يعنيني للغاية، إنطلقت منه من منطلقات منهجية بسيطة، متبعا الجدارة اللغوية والأداء اللغوي؛ وما استوقفني في ما يسمى الإسلاميات هو أن مجهودات هائلة أوروبية، ثمَّ غربية، دارت حول صحة القرآن، تاريخ القرآن، وهذا النقاش متجدد في العقود الثلاثة الأخيرة، ولا سيما في المدرسة الألمانية".

 

وأردف: "أعتقد ، وقد يكون حكمي قاسيا بعض الشيء، أن ما أنتجته هذه المقاربات لم يؤت بنتائج راجحة  أكيدة متينة وهذا الأمر حيرني. عندما انصرفت الى الدرس في الثمانينيات، وتنبهت في قراءاتي الى مسألتين: الأولى هي أن  أحدا لم يقل ما كانت كفاءة الصحابة، وخاصة، أبو زيد ابن ثابت في  العربية. والسؤال الأصعب: هل كانت تتوافر للعربية قواعد؟ في نطقها، في إملائها، في تدوينها؟ في معجمها؟"

 

وتابع: "وقعنا في مشكلات في ما يخص الكتب القديمة التي تتحدث عن أخطاء في القرآن،  هذه الأمور تخص تدوين القرآن والسلطات المتعافية الإسلامية منذ عثمان بن عفان على الأقل لم تقترب من هذه المسألة مطلقا"، خاتما بأن "العربية لها تاريخ طويل ممتد قديم  وموصول بما أسميه العربية الزمنية".

 

                   ================

 

 

 

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب