سلام عبد الصمد حاضرعن الطائف: من البديهي الرجوع اليه والتمسك به كي نحافظ على كيان الدولة وهويتها وانتمائها العربي

وطنية - نظم نائب الأمين العام لمنظمة "لبنان للأمم المتحدة" المحامي الدكتور سلام عبد الصمد ندوة وحوارا عبر تطبيق"زوم" بعنوان "دستور الطائف في لبنان: هل يحتاج إلى التفعيل أو التعديل؟" من إعداده بمشاركة شخصيات ديبلوماسية وفكرية واجتماعية.

وأشار عبد الصمد خلال اللقاء إلى "أهمية اتفاق الطائف: وذلك من خلال التطرق الى الثوابت التي أكدها، وعن الأمور التي كرسها، والدور المحوري الذي لعبه، مع تسليط الضوء على اتفاق الطائف من منظار القانون الدولي. الإضاءة على الأمور التي لم يتم تطبيقها، أو بصورة أخرى نواقص اتفاق الطائف، وأهم الخطوات خطوات لتفعيل اتفاق الطائف: التي هي بمثابة اقتراحات وتوصيات بشأن تفعيل جميع بنود هذا الاتفاق".

وأشار إلى أن "اتفاق الطائف هو الاسم الذي تعرف به وثيقة الوفاق الوطني اللبناني، والتي وضعت بين الأطراف اللبنانية المتنازعة في مدينة الطائف، بتاريخ 30 أيلول عام 1989. وقع على الاتفاق في 22 تشرين الأول عام 1989، وصدق عليه البرلمان اللبناني في 5 تشرين الثاني من العام نفسه. وقد تحولت معظم نصوصه الأساسية الى نصوص دستورية، وأصبحت ضمن الدستور. فتم تطبيق بعضها، في حين لم يتم تطبيق البعض الآخر. أما المطلوب اليوم دراسة كيفية استكمال التطبيق، وتقييم ما طبق من اتفاق الطائف، ودراسة الثغرات والعمل على سدها ومعالجتها، فهذا أمر بديهي بعد مرور 33 عاما على توقيع الاتفاق. فاتفاق الطائف جاء بعد سبعة عشر عاما من الحرب الأهلية المدمرة، ليضع حدا لها، وليرسي مبادئ وإصلاحات، حبذا لو طبقت كما يجب، لكنا نجحنا في إرساء وفاقا وطنيا سليما، مبنيا على الديمقراطية الصحيحة. لكن العوامل السياسية الخارجية ببعديها الإقليمي والدولي، والعوامل الداخلية المبنية على خلل أساسي في جوهرها، والمتمثلة بالنظام الطائفي والانتماء المذهبي، قد أضعف الولاء الوطني. وها نحن اليوم نحصد ثمرة هذا الخلل على جميع الأصعدة من سياسية واقتصادية ونقدية واجتماعية وتربوية، إلخ ...".

أضاف: "لذا، من البديهي تأكيد أهمية الرجوع الى اتفاق الطائف والتمسك به، لكي نحافظ على كيان الدولة وهويتها وانتمائها العربي. إنما، لا بد من الإشارة بادئ ذي بدء، بأننا نعيش في واقع سياسي مأزوم في ظل عدم انتخاب رئيس للجمهورية، ووجود حكومة تصريف أعمال مستقيلة، وتعطل معظم المؤسسات الدستورية والرقابية. وهذا إن دل على شيء، إنما يدل على أن النظام اللبناني يواجه مأزقا كبيرا بمعزل عن تطبيق أو عدم تطبيق الطائف".

 

وتابع متناولا أهمية الاتفاق:  "لقد قدم اتفاق الطائف تعريفا تاريخيا نهائيا للبنان دخل في دستوره، بحيث حسم نهائية الوطن اللبناني ومبادئه ووحدته الاقليمية من جهة، وأهم من كل ذلك، حسم عروبة هوية لبنان من جهة أخرى. وعليه لم يعد جائزا البحث بأي تعريف أو تصور خارج هذا الإطار. كما أنه اعتبر أرض لبنان أرضا واحدة لكل اللبنانيين، " فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين "، وأي تجاوز لذلك، يعد مخالفة دستورية تستوجب المحاسبة. كما، وقد نص اتفاق الطائف – في المادة 19 منه - على إنشاء المجلس الدستوري Conseil constitutional الذي يعزز الثقة بالدولة، ويلجم القائمين عليها في حال خرق الدستور والقوانين، واستخدام السلطة من دون وجه حق. وتبرز أهمية هذا المجلس باعتباره الضمانة الديمقراطية للاستقرار ولسمو الدستور. أما لجهة الحريات العامة وحقوق الانسان، فلقد ورد في اتفاق الطائف أن «لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل». هذا إن دل على شيء، إنما يدل على ميزتين، أتى بهما اتفاق الطائف: الأولى، النظام الجمهوري الديمقراطي البرلماني الذي يتسم بمواصفات دستورية تحديثية معروفة. أما الميزة الثانية الهامة، فهي التي تركز على العدالة الاجتماعية".

أضاف: "كما نص دستور الطائف على مبدأ الفصل بين السلطات من جهة، وإناطة السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء من جهة أخرى. مما يؤكد على مؤشر بارز، ألا وهو الحرص على احترام مبدأ مونتسكيو المعتمد في جميع الدول المتقدمة، فضلا عن حرص الاتفاق المذكور على تحقيق «دولة القانون والمؤسسات» Etat de droit، وإقرار الاستقرار الدستوري والحصانات المطلوبة والمسؤوليات الموضوعية. ولعل تأكيد اتفاق الطائف على مبدأ "التعايش المشترك" بين الطوائف اللبنانية المختلفة، من دون الجنوح الى الطائفية، كان الهدف الأسمى للقوانين الانتخابية البرلمانية التي أقرت في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية. أما بشأن صلاحيات رئيس الجمهورية، والتي يعتبر البعض أنها جوهر تعديلات او تحديثات اتفاق الطائف، وأنه تم تقليصها لحساب السلطة التنفيذية؛ فإننا نعتبر، وخلافا لما يشاع، بأن الرئيس قوته من الدستور، وقوته ليست مستمدة من ذاته، بل بحمايته للدستور على نمط نظام الملكية في بريطانيا. فرئيس الجمهورية هو رئيس الدولة يسهر على احترام الدستور، وهذا ليس بكلام انشائي؛ نحن بحاجة فعلا إلى مراعاة أحكام الدستور، ببنوده كافة من دون استثناء، على اعتباره من صلب النظام البرلماني الديموقراطي. فعلى سبيل المثال، إن ما يجمع سويسرا والشعب السويسري الموزع بين 26 كانتونا، بلغات وقوميات مختلفة، هو الوطن السويسري والانتماء الحصري إلى الدولة السويسرية".

أما عن البعد الدولي والإقليمي لاتفاق الطائف، فقال: "أما، وبعد أن عرضنا لأبرز المحطات التي كرسها اتفاق الطائف، لا بد من الاشارة الى أن الاتفاق المذكور – ومنذ دخوله حيز التنفيذ -، يحظى بغطاء دولي متمثل بترحيب مجلس الأمن به، وذلك من خلال البيان الرئاسي الصادر عنه عقب جلسته الرقم 2891، والتي انعقدت في 7 تشرين الثاني 1989. فضلا عن بيانات أخرى صادرة عن المجلس عينه (أي مجلس الأمن)، ترحب باتفاق الطائف، كما وبالعملية الدستورية التي بدأت في لبنان، منذ إقرار الاتفاق المذكور، والتي تهدف إلى استعادة الدولة لاستقلالها وسيادتها ووحدة أراضيها بالطرق السلمية (أبرزها البيانات المؤرخة في 22/11/1989 و27/12/1989). كما حظي اتفاق الطائف بموافقة ودعم المجلس الأوروبي المعلن (في 9/12/1989)، والذي كرر تأكيده على التشبث بهذا الاتفاق، معبرا «عن اقتناعه بعدم وجود بديل عنه، وذلك في الظروف الحالية للعملية التي يضعها الاتفاق من أجل تحقيق الوفاق الوطني والسلام".

زبالنسبة إلى ثغرات اتفاق الطائف، قال: "إن البنود التي لحظها اتفاق الطائف وتم ادخالها في الدستور، أصبحت مادة دستورية ملزمة، تتمتع بمرجعية سامية. أما البنود الأخرى والتي لم يعتمدها الدستور - لأسباب مختلفة -، فإنها ذات صفة قانونية عامة، لأن المجلس النيابي قد سبق وأقرها في 5/11/1989. لكن يبقى لنا أن نسأل عما إذا كان قد تم فعلا تطبيق دستور الطائف قبل أن يطالب البعض بتعديله، وبخاصة أن هناك الكثير من الإصلاحات التي لم تنفذ حتى الساعة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

1. الهيئة الوطنية التي من المفترض أن تضع خطة عمل لإلغاء الطائفية السياسية، 

2. مجلس الشيوخ الذي يجب أن ينشأ بمجرد انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، لتتمثل فيه العائلات الروحية، ويختص بالنظر في القضايا المصيرية.

3. اعتماد اللامركزية الإدارية، والتي وردت صراحة في مقدمة الدستور. وهنا لا بد من التأكيد على أهمية اعتماد اللامركزية، إنما من دون المس بوحدة لبنان. بمعنى آخر، يجب تفادي طرح أية صيغة تستفز مشاعر اللبنانيين.

4. إقرار قانون استقلالية القضاء، وتحريره من التدخلات السياسية،

5. الحاجة إلى وضع وتفعيل خطة التنمية الشاملة،

6. إنما وإلى جانب ما تقدم، يؤخذ على دستور الطائف استخدامه لمصطلحات عامة وغير محددة، فضلا عن عدم ربط إجراء الإصلاحات الضرورية أعلاه بأية مهل زمنية، مما يؤخر، لا بل يعطل إجراء التحول الديمقراطي المنشود للدولة اللبنانية".

وقال: توضيحا لذلك، نورد بعض الأمثلة: لم يحدد الدستور موعدا نهائيا لإنشاء برلمان غير طائفي، بقوله في المادة 22: "بانتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني وغير طائفي، سيتم إنشاء مجلس الشيوخ. كما لم تحدد المادة 24 منه (أي الدستور) أي موعد أو خطة من أجل إلزام البرلمان اللبناني بإصدار قانون انتخابي خارج القيد الطائفي: "في انتظار قيام مجلس النواب بصياغة قانون انتخابي دون قيود طائفية.  وفيما يتعلق بإلغاء الطائفية السياسية عموما، فإن النص الدستوري لم يحدد الفترة الزمنية لتحقيق هذا الهدف، بحيث تم استخدام مصطلح "خلال الفترة المؤقتة"، فقط دون تحديد مدة هذه الفترة (المادة 24)".

أضاف: من أجل تحقيق كل هذه الإصلاحات، وتطبيق ما لم يطبق حتى تاريخه، نرى أنه لا بد من اتخاذ الخطوات الآتية: إرادة وطنية فعلية باحترام جميع بنود اتفاق الطائف، والالتزام بتنفيذها من دون استثناءات، احترام مبدأ فصل السلطات، وفقا لما جاء في نص المادة 20 من الدستور وتأليف لجنة عملية لفهم وإفهام الدستور، وما أدخل عليه من تعديلات بموجب اتفاق الطائف؛ باعتبار ان الأخير قد أصبح ملزما. علما أن استحداث هكذا لجان هو أمر ضروري وأساسي ومعتمد في كل الدول".ففي فرنسا مثلا، تألفت لجنة برئاسة "برنارد ستازي" لدراسة كيفية تطبيق العلمانية في البلاد، فوضعت تقريرا من 200 صفحة علمية في هذا الموضوع. وفي كندا أيضا، تألفت لجنة "بوشار" لدراسة كيفية تكييف دستور البلاد وقوانينها مع حاجة الدولة للمزيد من المهاجرين إلى الأراضي الكندية".

وختم: بناء على كل ما تقدم، وفي ضوء المعطيات السابقة الذكر، هل لا زال من الممكن المطالبة بتعديل اتفاق الطائف، في وقت بعض نصوصه والكثير من الإصلاحات الواردة فيه لم يصر إلى تفعيلها وتنفيذها؟ بطبيعة الحال، إن دستور الطائف ليس بمنزلة الدستور المنزل غير القابل للتطوير أو التعديل، ذلك أن القوانين والنظم السياسية وجدت في العالم كي تكون في خدمة الإنسان والمجتمع وليس العكس. ولكن المنطق العلمي والقانوني، يقودنا إلى القول بأنه طالما باستطاعتنا تفعيل الدستور، فما من حاجة إلى تبديله أو تعديله. بالمحصلة، نعتبر دستور الطائف دستورا عصريا متقدما ومنسجما مع المواثيق والقوانين الدولية وحقوق الانسان، بخاصة لو اعتمدنا ما ورد في مقدمته، وعملنا فورا على تحقيق ما نادى به من إصلاحات في متنه، خدمة للبنان وللشعب اللبناني".

                           ========= ج.س

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب