الخطيب: الأوضاع الصعبة تحتاج رجالا على قدر المسؤولية الوطنية في انقاذ لبنان من النفق المظلم

وطنية - أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس والقى خطبة الجمعة التي قال فيها:
 
(انت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة ). هذه الكلمات توجه بها الامام زين العابدين الى عمته السيدة زينب) نوردها اليوم لمناسبة ولادة هذه السيدة الجليلة بيانا لعظمة شخصيتها وبيانا لمكانتها ومقامها في الاسلام الذي يأتي في القمة بعد امها السيدة الزهراء س واستحقت بهذا ان يحتفى بمولدها المبارك الى جانب انها من القربى الذين امر المسلمون بمودتهم الى يوم الدين واتباعهم والتعلم منهم واحياء امرهم وهذا الاحتفاء شكل من اشكال التعبير عن هذه المودة الذي هو احياء للدين اذ ليس امرهم سوى امر هذا الدين.
 
وقد احببت ان ابتدأ الحديث عن هذه السيدة الجليلة بهذه الشهادة من الامام زين العابدين، في حقها وهي شهادة اخذ فيها بيان الحق وليس على سبيل التفخيم او المحبة والاحترام او الممالأة .
 
احببت فيها ان نهج الامام عند الحديث عنها اذ لم يخاطبها بذكر اية منقبة اخرى على كثرتها وانما انتخب صفة العلم والفهم التي اتصفت بهما واضاف ايضا انهما من غير اكتساب من احد زيادة في بيان فضلها اذ لم يتسن  لاحد من غير الانبياء والاوصياء والمعصومين، بلوغ هذا الفضل الاها وقد حفلت سيرتها بشواهد عملية عديدة على علو كعبها في هذا المضمار واهم ما وصلنا منه خطبتاها الشهيرتان امام طاغيتي الكوفة والشام في مسجد الكوفة والمسجد الاموي وحضور اهل الكوفة واهل الشام بعد واقعة كربلاء واستشهاد اخيها الامام الحسين واهل بيته وانصاره واستشهاد ابنائها الاربعة معهم وربما كان هذان الموقفان العلنيان الوحيدان اللذان وقفنا عليهما من عقيلة الطالبيين  ومضطرة في ظهور علني  تخاطب جمهور الناس والسلطان الجائر حيث لم يسبق لها ان شاركت في اي نشاط اجتماعي او ثقافي او سياسي عام وامام الملأ من الناس . 
 
نعم ورد انها كانت تقوم بنشاط تعليمي وتثقيفي لنساء المدينة وما خلا ذلك فلم يؤثر عنها اي نشاط عام آخر وهذه هي سيرة السيدة الزهراء، اذ لم يكن لها اي ظهور في اي وسط من الاوساط الا عندما خرجت من منزلها الى مسجد النبي، بعد واقعة السقيفة واستبعاد ابن عمها امير المؤمنين عن الخلافة واتخاذها من سلبها حقها في فدك  وسيلة لاثبات عجزهم عن محاججتها وبطلان ما استندوا اليه في موضوع الخلافة. وبالتالي القاء الحجة على الناس بخطبة بليغة تنم عن عمق معرفتها وسعة اطلاعها على دقائق الامور الاجتماعية والسياسية والفقهية ولا تناظر  حيث كان علي في وضع لا يسمح له بالكلام والاعتراض الا بالموقف والامتناع عن المبايعة منعا للفتنة وخوفا على الاسلام. 
 
في هاتين الواقعتين مارست كل واحدة منهما هذا الدور ولم يكُ ذلك ابدا لمجرد الاستعراض والظهور والحصول على الشهرة والتميز وانما كان ذلك اداء للوظيفة التي القيت عليهما حين احتاج الدفاع عن الحق ذلك ففي الكوفة والشام كان الامام زين العابدين مريضا ومنهكا جراء قيود الاسر والمرض ومهددا بالقتل وقد استنقذته السيدة زينب اكثر من مرة وحينما فرضت واقعا جديدا على يزيد وفضحته على الاشهاد وهيأت الظرف المناسب للامام ان يتكلم ، سكتت وانبرى الامام س ليخطب في الناس الذين كادوا ان ينقلبوا على يزيد فلم يكن له بد من ان يبدي براءته من شنيع ما صنعت يداه وان يحمل مسؤولية الجريمة لابن سعد واضطر الى تحرير السبايا والاسرى واعادتهم الى المدينة". 
 
أضاف:" أيها الاخوة، لقد كان القصد من هذا الاستعراض التاريخي بيان ان الاسلام لم يمتهن المرأة ويضعها في مرتبة ادنى من الرجال وانما اسند اليها الوظائف التي تتناسب مع طبيعتها والتي تقتضي تقسيم الادوار كل بحسب المهام التي تناسبه وتؤدي الى اعمار هذا الكون تماما كما هو الحال في سائر الامور التي يعمل فيها الناس كل في اختصاصه الذي برع فيه وهذا لا ينقص من قيمتها المعنوية والاخلاقية  فهو ليس من باب التفاضل الاخلاقي بل من باب التكامل في الادوار الوظيفية حتى يكتمل البناء الاجتماعي ويقوم على اساس صالح وثابت ولقد كان الاسلام ابدى استنكاره الشديد للمعايير اللاأخلاقية التي كانت الامم تبنتها في التمييز بين طبيعة المولود  بتفضيل الذكر على الانثى) حتى اذا بشر احدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ام يدسه في التراب الا ساء ما يحكمون( واعتبار الانثى عارا يجب وأده والتخلص منه بسبب الخوف من وقوعها في اسر الغزاة في حروب القبائل المعتادة في جزيرة العرب فيرتكبون دفعا للعار ما هو اسوأ منه ويُقدِمون على قتل فلذات اكبادهم بأنفسهم بدلا عن اعدائهم بهذه الطريقة الوحشية ولم يكن الامر خارج جزيرة العرب أقل سوءا.
 
لكن الاسلام احدث ثورة فكرية وانقلابا ثقافيا على صعيد المفاهيم  التي كانت سائدة في العالم وجعل المعيار في التفاضل التقوى) ان اكرمكم عند الله اتقاكم ( اي اكثركم التزاما بمكارم الاخلاق وبموازين العدل والحق واداء للواجبات الاجتماعية واعمال البر الخ  وابتعادا عما يقابلها من سيئات الاعمال وارتكاب المظالم والجريمة وحب النفس والانانية وسواها من الاعمال المخلة بالحقوق والواجبات والنظام العام واعتبر ان الناس أيا كان لونهم او عرقهم او انماؤهم أو جنسهم أواي تمايز آخر بينهم اعتبرهم سواسية كأسنان المشط  ولا فضل لعربي على اعجمي ولا اسود على ابيض الا بالتقوى ، وقد خاطب الله جل ذكره عباده في كتابه الكريم ) يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ( ككل خطاباته التي توجه بها الى الناس ولم يخص به الرجال  دون النساء الا ببعض الموارد في امور تخصهن لا يشاركهن الرجال بها، فالتفاضل بين الناس رجالا ونساء معياره في الاسلام  القيام بالوظيفة المناسبة ، وليست نوعية الوظيفة هي المعيار. وفي ذلك يقول الله تعالى ) ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ( الذي اسيء فهم المراد من التفاضل على أنه التفاضل الاخلاقي فيما ان المراد به هو التفاضل التكويني على ان اللفظ المستخدم  هو (فضل به بعضكم على بعض).

فالتفاضل يفيد التقابل في الفضل وليس مختصا بأحد الصنفين دون الاخر ف) فَضَّل) قصد به اختص  كلا منهما ما يناسب الوظيفة التي اوكلت اليه.
 
ان هذا التنوع في الاختصاص الوظيفي الذي انعكس على طبيعة الخلقة التي هي احدى الامور التي اُريدت من التعبير بفضَّل هي من جماليات  تعبيرات الاعجاز الرباني لهذا الخلق التي حولها سوء الفهم المقصود تارة وغير المقصود اخرى الى احدى الاشكاليات الموجهة للإسلام واتهامه بالتمييز الاخلاقي بين الرجل والمرأة، على ان الذين يوجهون هذه التهم بخلفيات سياسية ويجعلونها احدى وسائل حروبهم ضد الدين بشكل عام والاسلام بشكل خاص لا تعني لهم الامور الاخلاقية والمعنوية شيئا كما ان منطلقهم مادي صرف ولذلك فإن بعض الضجيج الذي يثار حول بعض المفاهيم وتنطلي على بعض الافراد  لا تبتني على اساس صحيح وانما تقوم على اسس تتناقض مع المنظور الايماني والديني الذي تعنيه المباديء والقيم الاخلاقية ، وتقوم على اساس الايمان بالله تعالى والايمان بيوم القيامة والعدالة الالهية ويوم الحساب التي تفتقدها المذاهب المادية  وفلسفتها للحياة القائمة على العنصرية وافضلية التفوق المادي أو اللون أو الدم أو الجغرافيا".
 
وتابع :" لقد روج  الغرب لهذه المغالطات وتبناها كشعار لحربه الاستعمارية كشعار حرية المرأة والمساواة بين الرجال والنساء اتاحت له اخراج المرأة الى سوق العمل واستغلالها  لصالح الطبقة الرأسمالية الغربية ابشع استغلال  واستخدامها كسلعة للترويج والتسويق  للإنتاج ولم يكن لها من الحرية سوى جعلها اداة للاستغلال الجنسي ونشر الفساد للحصول على الربح نتج عن ذلك التفكك الاسري وشيوع الامراض النفسية بعد ان استبدلت وظيفتها الاساس كمربية وحاضنة للأسرة واُنتزعت منها لصالح الدولة التي اخفقت ايضا في القيام بمهام الام التي تفتقد للمواصفات التي تتمتع بها الام من الحنان والعطف الذي يتيح لها القيام بهذه المهمة على احسن وجه لو اتيحت لها الامكانيات اللازمة وعلى العكس الى توجيه المجتمع نحو إشباع الغرائز وحب الذات والانانية بالتوجيه النفسي والتربوي مما أفقده اهم دوافع التضحية لدى أفراده رجالاً ونساءً التي يحتاجها الحفاظ على الاسرة والروابط الاجتماعية وهبط بها الى الدرك الاسفل والنزوع نحو تحصيل اللذة وادارة الظهر للاهتمام بالأسرة وادى الى التناقص السكاني وشكل خطرا متزايدا في الولادات الذي دعا ساسة البلدان الاوروبية والغربية الى انشاب الحروب والفتن بين وداخل دول العالم المستضعف التي كانت من جملة اهدافها دفع بعض الكوادر العلمية ومن يمتلكون الكفاءات المهنية الى الهجرة لبلدانها لسد نقصها السكاني التي تفتقر سياسة هذه الدول لأدنى القيم الأخلاقية.
 
اضف الى ذلك، ان الاسلام لم يمنعها من العمل او اي نشاط آخر ضمن الضوابط الاخلاقية والإنسانية.
 
ايها الاخوة، كان من الضروري توجيه النظر الى هذه الامور وادعو اخواننا من علماء وخطباء ومثقفين حرصا على اهلهم وسلامة مجتمعهم الى التركيز على هذه المفاهيم وبيان خلفيات بعض الاحكام الشرعية والالتزام بها حتى نخفف من الخسائر التي بدأ ابناؤنا بدفعها على حساب مستقبلهم ووحدة وسلامة اسرهم حتى لا يقعوا ضحية التضليل الاعلامي المركز بخلفيات سياسية خبيثة لضرب وتخريب الاساس الثقافي والمعنوي والديني الذي شكل القوة الأساسية  لمقاومة العدو والانتصار عليه" .
 
وتابع :"ايها الاخوة، ان الانتصار الفكري والمعنوي الذي حققه علماء النجف وقم ولبنان ومراجعها على الحرب التي اريد بها الانقلاب الثقافي اللاديني والمعادي الذي طالما بقي هدفا مستعصيا على اعداء الاسلام في الغرب والشرق ذو المنبع المادي الالحادي الواحد والمتنازع على السيطرة والنفوذ .
 
ان هذا الانتصار كان الاساس لقيام الثورة الاسلامية في ايران بقيادة الامام الخميني كمرجع ديني وكقيادة دينية الى جانب نخبة من علمائها. اضيف اليه الانتصار الذي حققته المقاومة في لبنان بأيديولوجية اسلامية وقيادة علمائية أسس لها الامام موسى الصدر بأهداف وطنية وما كان له من نتائج طيبة على صعيد المقاومة الفلسطينية هدد الكيان الإسرائيلي وجوديا، كل ذلك يواجه اليوم بحرب اعلامية شعواء جهزت لها الادوات اللازمة وتستخدم فيها احط الوسائل  بقصد تشويه شخصية علماء الدين من المسلمين الشيعة ويستخدم فيها بعض الاشخاص الذين يقع بعضهم عن غير وعي وحسن نية والبعض الآخر ممن لا ينتمي الى هذا الصنف وليس له اي صفة دينيه تخوله التصدي لقضايا دينية وتتقصد ابرازه عبر بعض القنوات التلفزيونية  للإساءة للمذهب الشيعي الامامي من غير ضوابط مهنية او اخلاقية او وطنية للدفع نحو الفتنة بلغة طائفية قذرة".
 
وقال الخطيب :"نحن في هذا المجال، اذ نحمل القضاء والنيابات العامة ووزير الداخلية مسؤولية  التغاضي عنها وتسييبها، فإننا لن نسكت عن هذه الاهانات التي تتناول الطائفة الشيعية وعلمائها وخصوصا من احدى القنوات التلفزيونية التي يبدو انها متخصصة للقيام بهذا الدور للانتقاص من دعاة المحافظة على المؤسسات والدفاع عن الدولة واحترام النظام العام والتزام القانون ، لذلك ندعو المسؤولين الى القيام بواجبهم الوطني ووضع حد لهذا التسيب الذي اصبح السمة العامة التي تحكم الشأن العام اللبناني في كل المجالات وهو ما يناسب بعض اصحاب المصالح الخاصة الذين ينتهزون فرص الفوضى لتحقيق اطماعهم ومصالحهم الخاصة التي قضت على الثقافة الوطنية وعمقت الشعور الطائفي والهوة بين المواطنين وعرضت البلد للأخطار وجعلت مصيره رهن التدخلات الخارجية حيث يعول البعض عليها في حل الازمات السياسية والاقتصادية والنقدية ويرفض التفاهم  للوصول الى حلول وطنية لها وهذا ما يزيد الاوضاع سوءا والمواطنين معاناة .والأنكى من ذلك هو الدعوة الى الشذوذ الجنسي الذي يتقدم به بعض النواب في المجلس النيابي لتشريعه، وأنا أسأل النواب المسيحيين الذي هم أكثر الدعاة الى تشريع مثل هذا القانون وهم دعاة الحفاظ على حقوق المسيحيين أسألهم هل أن هذا يتطابق مع تعاليم السيد المسيح".
 
أضاف الخطيب :"إننا، ندعو القوى السياسية لاعتماد الحوار والتفاهم طريقا للخروج عن التعطيل وانتخاب رئيس للجمهورية كبداية لمسار بناء الدولة يحمي لبنان من خطر الزوال.
 
إن انتظام الحياة السياسية وتحقيق الاستقرار في لبنان يبدأ بإنجاز الاستحقاق الرئاسي بروح توافقية نابعة من تحمل المسؤولية الوطنية في انقاذ الوطن وحفظ مؤسساته، يستدعي من السياسيين الاحتكام الى ضمائرهم واتخاذ قرار وطني في انتخاب رئيس يجمع كل اللبنانيين ويشكل ضمانة وطنية تحمي لبنان وتخرجه من دائرة التجاذبات الدولية ليكون نتاج تفاهم اللبنانيين وحدهم دون املاءات وضغوط خارجية، فالأوضاع الصعبة والمؤلمة تحتاج رجالا على قدر المسؤولية الوطنية في انقاذ لبنان من النفق المظلم الذي أوصلتنا اليه سياسات الارتهان للخارج والانصياع لمصالحه على حساب المصلحة الوطنية".

                           =============

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب