الثلاثاء 23 نيسان 2024

09:47 am

الزوار:
متصل:

زمن الآلام والقيامة: مسيرة إيمان وتقاليد موروثة

تحقيق ندى القزح


وطنية - وتبقى القيامة خاتمة الأحزان والأوجاع مهما اشتدت رياحها وطالت فصولها. إنها حلم كل إنسان، هكذا فقط يمكنه أن يتوج مسيرته على الأرض في نهاية الدرب بحياة جديدة خالدة لا يطالها الموت والفساد، في عالم آخر سرمدي وأبدي.

هو عيد الأعياد يطل علينا قريبا من جديد في لبنان، وما أحوجنا إلى روح القيامة وأمجادها بعد درب الجلجلة التي نمر بها في وطننا المجروح المتألم والذي يحتضر يومًا بعد يوم.

نجول معا في هذا التحقيق على خفايا أسبوع الآلام وجوهره، وصولا إلى عيد الفصح المجيد والعادات والتقاليد التي ترافق هذه الحقبة من السنة، علنا بذلك نتخطى كل الآلام والمخاوف فنلبس حلة العيد ونلاقي العريس السماوي وتفرح قلوبنا من جديد على الرغم من قساوة الأيام الحالية وظلمها.

رتب وصلوات أسبوع الآلام والقيامة

في حديث إلى "الوكالة الوطنية للإعلام" مع الدكتور في العلوم الليتورجية وأمين سر اللجنة البطريركية للشؤون الطقسية الخوري خليل الحايك، شرح لنا رتب وصلوات أسبوع الآلام وتقاليده وعاداته، قال: "يسمى هذا الأسبوع بحسب الكتب الطقسية "أسبوع الآلام الخلاصية" عند البعض أو "الأسبوع العظيم المقدس" عند البعض الآخر. هو أقدس الأزمنة الروحية والليتورجية عند المسيحيين، يتهيأون فيه للاحتفال بآلام الرب يسوع وقيامته، وهو أسبوع مستقل عن زمن الصوم الأربعيني. في زمن الصوم، يرمز إلى الكنيسة بسفينة تقوم برحلة بحرية فتعترضها أمواج وعواصف تحاول إغراقها، إنما بالصلاة والصوم والصدقة تنتصر هذه الكنيسة المشبهة بالسفينة على التجارب التي تمثلها الأمواج والعواصف وتبلغ ميناء الخلاص الذي حققه يسوع بموته وقيامته. يفتتح أسبوع الآلام في الكنيسة المارونية برتبة الوصول إلى الميناء، يقابلها عند السريان رتبة "النهيري"، "صلاة الختن" عند البيزنطيين ورتبة "العذارى العشر" عند الكلدان. هذه الرتبة يحتفل بها وفق الإرشادات، بعد القومة الثالثة من صلاة ليل يوم الإثنين، ويسعى اليوم إلى الاحتفال بها رعائيًّا يوم أحد الشعانين مساءً ليتسنى للشعب المشاركة بها. في الأساس، هي رتبة الدخول إلى بيت المعمودية بهدف إعادة فتح أبوابها، من خلال رتب صلوات كانت تتلى أيام الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس من الأسبوع العظيم وفق ما يرد في إصلاح البطريرك الدويهي، بعد أن تكون قد أقفلت الأبواب طوال زمن الصوم و بهدف تهيئة البيت من جديد لرتبة عماد الموعوظين في سهرة عيد الفصح يوم سبت النور ليلًا. إن احتفالات هذا الأسبوع وطقوسه هي تجسيد للمراحل الهامة من تاريخ الخلاص، كما ذكرتها الأناجيل المقدسة وكما عاشها المسيحيون الأولون وحفظتها الكنيسة في تقاليدها الحية. يسعى المؤمنون إلى تتبع المراحل الأخيرة من حياة المسيح، بمشاركتهم مشاركة تامة في مراحل آلام الفادي الإنسانية والروحية. في الأيام الأولى من هذا الأسبوع، تضع الكنيسة أبناءها بالقرب من الأشخاص الذين كانت حياتهم رمزا لحياة المخلص: يوسف ابن يعقوب الذي باعه إخوته، إسحق الذي أراد ابراهيم أن يقدمه ذبيحة، نابوت اليزرعيلي الذي حكم عليه زورا، أيوب الذي عانى أقسى أنواع الآلام وغيرهم، وتشاركهم نبوءات الأنبياء ومراثيهم لتحثهم على الاقتداء الأكمل بحياة الفادي الإلهي."

عن تقسيم أيام أسبوع الآلام وصلواته، أوضح أن "يوم الأربعاء غني بالشخصيات والأحداث، بدءا من صورة أيوب الصديق الذي يرمز إلى المسيح بانتصاره على الآلام، إلى صورة المرأة الخاطئة التي غسلت قدمي يسوع بدموعها ومسحتهما بشعرها. وهذه الصورة تناقض صورة يهوذا الإسخريوطي الذي باع معلمه إلى عظماء الكهنة، بعد أن قبض مقابل خيانته ثلاثين من الفضة. في هذا اليوم وبتأثير بيزنطي، يحتفل برتبة القنديل المؤلفة من سبع قومات، فتضاء الفتائل السبعة الموضوعة في قرص عجين مغمور بالزيت، وبعد مباركة الزيت تدهن جباه المؤمنين به "لمغفرة الذنوب وترك الخطايا وصحة النفس والجسد". هذا الزيت هو للتشجيع والقوة، إذ استخدم في الماضي في أساس رتبة مسحة المرضى، ويرمز العجين (الفطير) إلى هشاشة الطبع البشري وإلى الإنسان المتألم".

أضاف: "أما يوم الخميس فهو خميس الأسرار، خميس الفصح، خميس العهد وخميس الغسل. يحتفل به بتكريس الزيوت المقدسة، وبغسل الأرجل وبالاحتفال بالإفخارستيا:
1 - تكريس الزيوت المقدسة (العماد والمسحة) وتقديس الميرون. هو تقليد قديم في الكنيسة والاحتفال به محصور فقط بالبطريرك. في السنوات الأخيرة، صار يحتفل بهذه الرتبة في ختام سينودس الأساقفة في شهر حزيران، كي يتسنى لأساقفة الانتشار المشاركة بهذه الرتبة كعلامة شركة مع البطريرك رأس الكنيسة المارونية.
2 - رتبة غسل الأرجل وهي مشبعة بالمعطيات الكتابية واللاهوتية والطقسية وتتميز في التقليدين السرياني والماروني بطابعها العمادي، وتعرف هذه الرتبة تقليدين:
أ - التقليد الأول وهو الأقدم، يقضي بغسل أرجل كل الحاضرين ومسحها بالزيت.
ب ‌- التقليد الثاني وهو الأحدث، يقضي بغسل أرجل اثني عشر شخصًا يمثلون الرسل الاثني عشر.
3 - الاحتفال بالإفخارستيا: تتشح الكنيسة بالبياض وتزين بالزهور والأنوار، لأن هذا اليوم هو عيد الفصح الذي أسس فيه الرب يسوع سري الإفخارستيا والكهنوت.
في نهاية القداس، يحمل القربان من المذبح الذي يرمز إلى مائدة العشاء في العلية إلى ناحية من الكنيسة ترمز إلى بستان الزيتون، فيعرض في مكان مزين بالشموع والزهور وأغصان الزيتون، ويبقى معروضا حتى منتصف الليل أو صباح اليوم التالي. يطوف الناس أفواجا على الكنائس للسجود أمام القربان المعروض ويزورون سبع كنائس، لما للعدد "7" من رمزية في الكتاب المقدس، ولما تمثله هذه الزيارات من محطات عبر فيها الرب الفادي في طريقه من بستان الزيتون إلى الجلجلة.
يوم الجمعة العظيمة أو جمعة الصلبوت، هو يوم الحزن الكبير حيث يخرج المؤمنون منذ الصباح إلى البرية لجمع الزهر وحمله إلى الكنيسة لتطييب جسد المسيح كما فعل نيقوديمس والمريمات، ويسمون ذلك "الشرحطة" بمعنى السير المتعب. تحتفل فيه الكنيسة المارونية حاليا برتبة رسم الكأس، وهي رتبة مناولة بسيطة كان يحتفل بها في زمن الصوم الأربعيني وتفرغ بعدها الكنيسة من القربان. ويتم الاحتفال أيضا في هذا اليوم، برتبة سجدة الصليب المؤلفة من بنية الفرض العادية يضاف إليها تلاوة الأناجيل الأربعة مع تطواف بالنعش المغمور بالزهور، وبعدها يتم السجود بالمطانيات أمام الصليب مع ترداد التقديسات الثلاثة والإجابة عليها بـ "أيها المسيح الذي صلبت من أجلنا، إرحمنا"، ثم يتقدم المؤمنون للتبرك من الصليب قبل أن يوضع في القبر المعد له داخل الكنيسة والمزين بالزهور."

تابع: "يوم السبت هو سبت النور وقد أعطي هذه التسمية، لأن نور المسيح يسوع أضاء ظلمات الجحيم، وهو اليوم الذي فيه سبت الرب في القبر. كان هذا "السبت عظيما"، عيد الفصح عند اليهود وهو أعظم أعيادهم وممنوع فيه القيام بأي حركة. لذلك سارع بعض أخصاء يسوع إلى تنزيله عن الصليب ودفنه يوم الجمعة مساء قبل غروب الشمس أي قبل أن يبدأ السبت فعليا، لأن اليوم قديما كان يبدأ عند غروب الشمس لا في الثانية عشرة ليلا. كما اليوم، وبما أن يسوع قد قام يوم الأحد فجرا، فهو بذلك بقي في القبر "ثلاثة أيام" غير مكتملة، من الجمعة مساء إلى الأحد فجرا. ولا ننسى أن عبارة "اليوم الثالث" هي عبارة رمزية أكثر منها كرونولوجية، ترمز في الكتاب المقدس إلى أوان الخلاص: الله يخلص حبيبه في اليوم الثالث. في هذا اليوم، تحتفل الكنيسة البيزنطية بصلاة تقديس النور، الكنيسة السريانية برتبة المسامحة والكنيسة المارونية بصلاة الغفران. كذلك تحتفل بنزول يسوع إلى الجحيم ليحمل فرح الخلاص للأجيال التي كانت تتوق إليه، لأن نور الغفران قد عم المسكونة. فالمسيح بصليبه صالح السماء والأرض وصالح الأبعدين والأقربين، ولذلك تقام صلاة الغفران ظهرا في الكنائس والأديار قبل قرع الأجراس فرحا إيذانا بحلول زمن القيامة، وفي هذا اليوم لا يحتفل بالقداديس. عند العصر، تلبس الكنائس حلة العيد وتبدأ التحضيرات لرتبة السلام في قداس منتصف الليل، حيث يرفع صليب يسوع من القبر ويطاف به في الكنيسة، فتبارك جهات الكنيسة الأربعة ويحتفل برتبة السلام على وقع أناشيد أفراح القيامة. إن أحد القيامة وعيد الأعياد ويعرف شعبيا بالعيد الكبير"، لتمييزه عن "العيد الصغير" أي عيد الميلاد. بسبب عظمة هذا اليوم، نبدأ الاحتفال به من يوم سبت النور وتقرع الأجراس. البعض يفضل أن يترك "رهجة" العيد ليوم الأحد بذاته، فلا يرنمون في الكنيسة إطلاقا ترنيمة "المسيح قام" الشهيرة إلا يوم الأحد فجرا تزامنا مع قيامة الرب. سبب هذا يعود أيضا كما أوضحنا إلى العادة القديمة في احتساب الألام، لكون اليوم يبدأ عند غروب الليلة التي تسبقه. فهناك كنائس تحتفل بقداس عيد الفصح عند الساعة الثانية عشر منتصف ليل السبت والأحد (في الغرب مثلاً وعند الموارنة)، وكنائس أخرى تحتفل بقداس الفصح عند الأحد فجرا مع رتبة "الهجمة"، وهي ترمز إلى انتصار المسيح على الجحيم".

وشرح عن أسبوع الحواريين الذي يبدأ بعد احتفالات الأحد الكبير، "إن الكلمة سريانية وتعني البياض، هي تشير إلى الملاكين بثيابهما البيضاء اللذين بشرا بقيامة الرب وإلى الرسل ذوي القلوب البيضاء، وإلى المعمدين الجدد المتشحين بثوب عمادهم الأبيض طوال الأسبوع. أما عادة زيارة مريم الأم الحزينة يوم الإثنين بعد القيامة فلا جذور ليتورجية له في طقسنا، إنما تطور شعبيا تمثلا بعيد تهنئة العذراء في اليوم التالي لميلاد الرب يسوع".

الأسبوع الفصحي: عادات وتقاليد

تتنوع العادات والتقاليد المتعلقة بالعيد بتنوع المناطق والكنائس، فلكل منطقة وكنيسة عاداتها وتقاليدها للاحتفال بهذا الزمن الليتورجي والروحي.

في حديثه، أوضح الحايك أن "لفظة شعانين مأخوذة من الهتاف "هوشعنا" الذي استقبل به يسوع عند دخوله إلى أورشليم. أحد الشعانين الذي يسبق أسبوع الآلام هو ذكرى حدث هام، كان ذروة في حياة يسوع العلنية وهو دخوله إلى أورشليم المدينة المقدسة راكبًا على ابن اتان، دخول الملوك الظافرين. يظهر يسوع في هذا الحدث ملكا وديعا داخلا عاصمة ملكه أورشليم بحشد شعبي مهيب، والشعب والتلاميذ والأطفال يهتفون له بهوشعنا، "يا مخلص، خلص!"، ويلوحون بأغصان النخل والزيتون. فإذا الشعانين تسبيق لأحد القيامة من بين الأموات والنصر الملكي الأخير. الاحتفال بذلك الحدث الفريد عاشته كنيسة اورشليم، ثم انتقل من أورشليم ليعم مختلف الكنائس الشرقية منها والغربية، وقد حافظت عليه كل واحدة على طريقتها الخاصة. في القرن الرابع قامت الرحالة الإسبانية الراهبة إيجاريا، برحلة إلى الشرق ووصفت بدقة بالغة في كتابها "يوميات رحلة"، احتفالات كنيسة القيامة في أورشليم بما في ذلك زياح الشعانين، حيث كانوا يصعدون إلى كنيسة جبل الزيتون برفقة الأسقف وينشدون أناشيد ولازمات مخصصة لليوم والمكان، ويقرأون قراءات خاصة وصلوات بحضور الأولاد الحاملين الأغصان وسعف النخل لملاقاة الرب يسوع. ما زال الاحتفال برتبة تبريك أغصان الشعانين وبالزياح حتى اليوم حيا وشعبيا، تحتفل الكنيسة به في نهاية أسابيع الصوم الستة، في ختام الأسبوع الأخير منها المسمى "أسبوع الشعانين".

يلبس الأهل أولادهم في صباح العيد الثياب الجديدة اللائقة، فيختارون لهم الشموع الجميلة المختلفة الأحجام والألوان، ويزينونها بالأغصان والزهور والشرائط الحريرية الملونة. يحمل المشاركون في القداس الشموع ويطوفون معا في الكنيسة وخارجها مرنمين وهاتفين "هوشعنا في الأعالي"، بينما تقرع الأجراس في قبة الكنيسة. أما الأغصان فيباركها الكاهن وتوزع على الحاضرين بمثابة بركة العيد، يحتفظ بها المؤمنون توسلا لبركة الله، ويضعها البعض فوق عتبات البيوت إذ يرون فيها رجاء بقيامة موعودة. يوم أحد الشعانين مساء، ترتدي الكنيسة حلة الحزن والحداد وتنزع منها كل زينة فتجلل باللون الأحمر السماقي. من العادات الشعبية في الأسبوع المقدس، أن تبدأ ربات المنازل بتنظيف بيوتهن استعدادا لاستقبال المهنئين يوم العيد. يمتنع المؤمنون طوال الأسبوع عن طبخ الطعام، فيباشرون بالتقشف في مأكلهم ويكتفون بالخبز والتوابل والخضار والثمار المجففة".

تابع:"يوم خميس الأسرار هو يوم عيد. بعد القداس مساء، يصمد القربان على مذبح جانبي ويعرى المذبح الرئيسي. يزور المؤمنون القربان المعروض في الكنائس، مشاركة في نزاع المسيح في بستان الزيتون، الذي يصمد حتى أولى ساعات الصباح، ويتوجهون إلى الكنائس لزيارة القربان المعروض. وهناك تقليد أورشليمي قديم يعود إلى الأجيال الأولى، تذكره إيجاريا في يوميات رحلتها إلى الشرق، يقضي بزيارة الأماكن التي مر بها السيد المسيح في طريقه إلى الجلجلة. اختصرت اليوم بمحطات سبعة في الكنائس، ومن هنا جاءت العادة بأن تصير زيارة الكنائس السبعة. أما يوم الجمعة العظيمة فتحتفل الرعايا بجناز المسيح ودفنه، يضع المشاركون الأزهار التي ترمز إلى الطيوب عند دخولهم إلى الكنيسة في رداء يرمز إلى نعش المسيح، يطوفون به في الكنيسة أو خارجها. تزداد شدة الصوم في هذا اليوم، والبعض يصوم عن الطعام صومًا كاملاً وهو المعروف بالطوي من مساء الخميس حتى صباح أحد القيامة. اعتاد المسيحيون أن يبالغوا في التقشف في هذا النهار، فيقتصروا على تناول الهندباء البرية المرة متبلة بالحامض أو الخل ذكرا لما أسقيه المسيح وهو على الصليب حين قال: "أنا عطشان". ومن مآكلهم التقليدية أيضًا في هذا اليوم، كباب الحيلة القاطعة المصنوعة من البرغل والمعروفة "بالكبة الحزينة" والمجدرة تقشفا".

عن أحد القيامة المجيدة أو العيد الكبير أشار إلى أنه "جزء أساسي من عيد الفصح المسيحي الذي هو عبور يسوع من الموت إلى القيامة. في العهد القديم، كان الاحتفال بعيد الفصح تذكار عبور شعب الله من أرض العبودية إلى أرض الميعاد، احتفل الرب يسوع بالعيد عينه مع تلاميذه. إنما في العشاء الأخير، أنهى الرمز وأصبح هو ذاته حمل الله، بقيامة الرب من بين الأموات، صار يوم الأحد هو عيد الفصح الأسبوعي، وظل حتى أواخر القرن الثاني يوم الرب. بعدئذ ظهرت رغبة في الاحتفال بأحد من آحاد السنة بطريقة مميزة، كونه عيدا للفصح. وتم الإجماع في الشرق والغرب على الاحتفال بالعيد في الأحد الذي يلي بدر الربيع، وهو يتراوح بين 22 آذار و25 نيسان. وفي سنة 1582، على أثر إصلاح البابا غريغوريوس الثالث عشر الروزنامة اليوليانية المعمول بها، اقتضى حذف عشرة أيام من السنة. تبنت كل الدول والكنائس هذا الإصلاح، فيما يخص الحساب المدني كما في الحساب الكنسي بالنسبة إلى الأعياد الثابتة: مثل الميلاد والدنح والانتقال وارتفاع الصليب. واستمرت المشكلة فقط بالنسبة إلى عيد الفصح، وما زالت حتى يومنا هذا. إن الخلاف هو على تاريخ العيد فقط، إنما جوهر العيد ولاهوته هو هو في الغرب والشرق. هذا العيد استقطب الأعياد الأخرى التي نشأت تدريجيا في الكنيسة، وأصبح بالتالي محورها وقمتها منه تنطلق وإليه تعود".

وتابع: "أحد القيامة هو عيد أعياد الكنيسة المؤمنة، تحتفل الكنيسة المارونية برتبة السلام الفصحي حيث يرفع الصليب من القبر الذي دفن فيه يوم الجمعة العظيمة في رتبة السجدة فتجعل عليه شارة بيضاء، علامة للنصر على الموت والألم والخطيئة، ويطاف به في الكنيسة ليكرمه المؤمنون ويتباركوا به. وعند خروجهم من الكنيسة يتبادلون التحية قائلين: "المسيح قام"، وتكون الإجابة "حقاً قام"، هكذا تصدر التحية بمثابة شهادة إيمان علنية."

زينة العيد والحلويات

وردا على سؤال عن توزيع البيض في عيد الفصح، قال:"إن هذه العادة درجت بتوزيع البيض المسلوق والملون على الخارجين من الكنيسة في نهاية قداس العيد، باعتبار أن البيضة هي رمز الخصب وبخاصة رمز قيامة يسوع المسيح من القبر كما يشق الصوص قشرة البيض ويخرج منها حيا. علاوة على ذلك، ولأن أكل البيض محرم في الصوم، راح التقليد المسيحي يشجع أكله عند كسره في عيد الفصح، فيتسابق الأولاد بتفقيس البيض بفرح عامر. أما الكعك والمعمول، فما برح المسيحيون يصنعون بمناسبة عيد الفصح الكعك المدور بشكل إكليل والمحشو بالتمر، والمعمول بشكل أكواز محشوة بالفستق أو الجوز والسكر، ويقصدون بذلك التذكير بآلام المسيح التي نتج عنها فرح القيامة. فشكل الكعك المدور يرمز إلى إكليل الشوك، وشكل المعمول المكوز يرمز إلى الإسفنجة المغمسة في الخل التي أعطاها الجنود للمسيح عندما طلب ليشرب. أما حشوة الكعك بالتمر والمعمول بالفستق أو الجوز والسكر فترمز إلى ما وراء آلام المسيح من حلاوة للفداء والخلاص. وفي عادة التزيين ببيض الشوكولا فقد ظهرت منذ قرن تقريبا بالإضافة إلى أشكال متنوعة بغية إشباع رغبات الناس، ومن هذه الأشكال الأرنب الذي يرمز إلى الحياة لكونه يتكاثر بسرعة. وقد أعطى الناس للشوكولا أيضًا شكل دجاجة التي هي مصدر البيض، أو شكل سمكة رمز المسيحيين الأوائل، فالسمكة في اللغة اليونانية اسمها ايختس، وكل حرف من هذه الكلمة هو بداية لكلمات تكون العبارة التالية: يسوع المسيح ابن الله المخلص".

وختم بالقول: "هناك عادة جميلة في القرى، وهي أن يذهب أهل القرية عند الحزانى الذين فقدوا أعزاء لهم خلال السنة المنصرمة، لكي يقفوا عند خاطرهم ولا يتركوهم بلا تعزية يوم العيد. هناك أيضا عادة أخرى هي أن يبادر من تخاصموا على الصلح والاستغفار، لكوننا نصلي صادحين يوم العيد "ولنصفح لبعضنا عن كل شيء في القيامة". هذه بعض من عادات "العيد الكبير" عندنا، ويا لها من عادات جميلة!".

هي نفسها المعايدة في كل سنة: "المسيح قام حقا قام.. ونحن شهود على ذلك" ولكن شهادتنا في هذه الأيام مليئة بالتحديات لنبقى شهود النور على الرغم من الظلام، والحياة على الرغم من الموت، شهود السلام في أيام يسودها القهر والظلم وتكثر فيها معاناة الإنسان في وطن كسيح ينتظر القيامة ليزهر من جديد.

نعم سنبقى شهود الحق والرجاء ولن نفقد الأمل، لأن معلمنا الحبيب أوصانا وأكد لنا بعد قيامته: "وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر.. فأنتم أيضا تحزنون الآن، ولكني سأعود فأراكم فتفرح قلوبكم، وما من أحد يسلبكم هذا الفرح".


=========================

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب