تحقيق عادل حاموش
وطنية - كثُرَ الحديث في الآونة الأخيرة عن حلول للوضع الاقتصادي اللبناني منها ما هو واقعي ولكنه صعب التطبيق حاليا، ومنها ما هو تمنّ ولا يناسب الوضع اللبناني البتة. إلا أن هناك حلولا اقتصادية تظهر على الساحة الإعلامية بين الحين والآخر وسرعان ما تختفي وتزول.
وفي هذا الاطار أعلن الخبير الاقتصادي الدكتور بسام همدر لـ"الوكالة الوطنية للاعلام" ان "من بين هذه الحلول إلغاء بعض الأصفار من الليرة اللبنانية، طبع ورقة المليون ليرة، إنشاء مجلس نقد، وأخيراً دولرة شاملة".
إلغاء الاصفار
وعن حسنات وسيئات أول طرح المتعلق بإلغاء بعض الاصفار من العملة اللبنانية، قال همدر: "تلجأ الدول عادة إلى إلغاء بعض الأصفار من العملة الوطنية عندما تغرق في وحول التضخّم المتوحش كما هي الحال في لبنان. ومنذ ستينات القرن الماضي هنالك أكثر من سبعين دولة نامية سلكت هذا الطريق وألغت بعض الأصفار من عملتها الوطنية. ومن هذه الدول: الأرجنتين، يوغوسلافيا السابقة، بوليفيا، روسيا، أوكرانيا، بولندا، البرازيل، بلجيكا، كوريا، غانا، تركيا، وفينزويلا".
اضاف: "إن من حسنات إلغاء بعض الأصفار من العملة الوطنية عدم الحاجة إلى حمل كثير من الأوراق النقدية، تخفيض كلفة طباعة أوراق بكميات كبيرة كما هو الحال في لبنان، خلق جو إيجابي نفسي في المجتمع، والسهولة في نقل الأموال للقيام بالمبادلات التجارية".
وتابع همدر: "أما في السيئات، فقد يؤدي الغاء بعض الاصفار من العملة الوطنية الى رفع الأسعار من قبل التجار وخلق حالة من التضخم المتزايد، خلق جو نفسي سلبي عند قبض الرواتب، خلق حالة من الإرباك عند المستهلك عند تسديد الفواتير وعند المبادلات التجارية، وخلق حالة من عدم الثقة عند المستثمر وتهريب أمواله إلى الخارج كما حصل في عدد من الدول التي اتبعت هذا الأسلوب."
وقال: "في المحصّلة، إنّ إلغاء بعض الاصفار من العملة الوطنية الذي يّعرف بال “Redenomination" قد فشل في بلدان كثيرة لعدم اصطحاب هذه الخطوة بخطة تعاف اقتصادي ومالي ونقدي تعزز استقرار العملة الوطنية وتحد من التضخم المفرط. وفي لبنان، ليس هنالك من طرح جدي حتى الآن لأي خطة تعاف اقتصادي مما يُنذر بفشل أي محاولة لإلغاء بعض الأصفار من العملة الوطنية".
ورقة المليون
وعن طبع ورقة المليون ليرة، أو الخمسة ملاين او المائة مليون وما إلى ذلك، قال همدر: "إنَّ هذه الخطة لن تجدي نفعاً البتة إذا ما تم عزلها عن أي خطة تعاف اقتصادي تحاكي الوضع الراهن وتثبّت سعر صرف واحد للعملة الوطنية وتعزز الثقة والاستقرار لجذب الاستثمارات داخلياً وخارجياً. وهنا لا بد من إعادة الأموال التي أّخرجت من لبنان، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، والتدقيق في حسابات البنك المركزي، والبدء بخطوات جدية لوقف المضاربة على العملة الوطنية، وإرساء جو من الاستقرار السياسي عبر الخروج من الفراغ الرئاسي، وتفعيل عمل المؤسسات في القطاع العام لما له من أهمية اقتصادية واجتماعية".
مجلس النقد
وعن مجلس النقد أو مجلس العملات النقدية، أوضح همدر انه "سلطة نقدية تُصدر العملة الوطنية فقط لمبادلتها بالعملة الأجنبية". وقال: "إنَّ كل القاعدة النقدية يجب أن تغطّ بالعملة الأجنبية على سعر صرف ثابت وموحّد. مجلس النقد المعروف بال “Currency Board" يحد من قدرة البنك المركزي في التأثير على البنوك التجارية، كما ويضعف قدرته في التأثير على السياسة النقدية للدولة".
واكد "ان إنشاء مجلس النقد هدفه محاربة التضخم الذي غدا حالة متصاعدة في لبنان". وقال: " تحت سلطة مجلس النقد تّوحّد أسعار الصرف ويُشرّع سعر صرف واحد وثابت للعملة الوطنية، وطباعة العملة الوطنية منوطة فقط بهذا المجلس، وأي طباعة عملة يجب أن تغطّ بالعملة الأجنبية، بل أكثر من ذلك إن كل القاعدة النقدية يجب أن تغطّ بموجودات البنك المركزي من عملة أجنبية وذهب".
اضاف: "انّ من حسنات مجلس النقد وجود سعر صرف واحد وثابت يؤسّس للاستقرار النقدي يخلق جوا إيجابيا قد يتطوّر ليشمل استقرارا ماليا ما يسهّل جذب الاستثمارات إلى البلد ويحسّن الوضع الاقتصادي العام في لبنان. وفي إيجابيات مجلس النقد للحد من التضخّم وتسهيل عمليات المبادلة التجارية مع العالم الخارجي".
وتابع: " أما في السيئات، فهي عدم قدرة البنك المركزي في إقراض الدولة والبنوك (قد تكون هذه حسنة في لبنان ...إقراض البنك المركزي للدولة وللبنوك كان أحد أسباب ضياع أموال المودعين)، عدم قدرة البنك المركزي في التأثير بسعر الفائدة أو التأثير في السياسة النقدية للدولة".
واشار الى "انّ مجلس النقد قد طُبّق في الأرجنتين وهونغ كونغ، إلا أن هجوم المضاربة على العملة الوطنية من قبل مضاربين أدّى إلى ركود اقتصادي وارتفاع بسعر الفوائد مما خلق تباطؤا اقتصاديا في كلا البلدين، وهذا قد يحصل في لبنان حيث المضاربة على العملة الوطنية غدت صعبة الاحتواء".
الدولرة الشاملة
وعن الدولرة الشاملة، قال همدر: "انها تعني لجوء أي بلد، وهنا لبنان، إلى الانتقال من العملة الوطنية إلى العملة الأجنبية كالدولار مثلاً، ولجوء أي بلد إلى استعمال عملة أجنبية غير العملة الوطنية هو نتيجة لحالات تضخّم تخرج عن السيطرة كما هو الحال في لبنان. وقد عمدت كل من بناما، زمبابواي، الأكوادور، السلفادور، تيمور، جزر العذراء البريطانية، وغيرها إلى استعمال الدولار الأميركي مكان العملة الوطنية".
اضاف:" إن تجربة هذه الدول لم تكن مشجّعة كثيراً وبخاصةً إذا ما تحدّثنا عن بناما التي تّعدُّ من أكبر الدول التي اعتمدت الدولارالاميركي والدولرة الشاملة"، مشيرا الى انه "لم يُسجّل في بناما نمو إقتصادي ضخم ولم تؤد دولرة الاقتصاد إلى العبور إلى دولة الرفاهية حيث لا يزال نحو 25% من السكان يعيشون في فقر مدقع، ولا تزال البطالة فوق ال 14% حسب ارقام منظمة العمل الدولية".
وتابع: "لقد خفّض اعتماد الدولرة في بناما من التضخم كثيراً من 16% إلى أقل من 3% ولكن لم يتحسّن الوضع الاقتصادي كثيراً حيث الفساد مستشر في المجتمع وفي كل طبقات الدولة. لقد حازت بناما على مستوى 101 / 180 على لائحة الفساد، وهذا رقم مرتفع جداً ويمثّل عائقا في وجه التقدّم والتطور والنمو الاقتصادي. ولكن لا تزال بناما مع كل هذا أفضل من لبنان. فقد حاز لبنان على مستوى 150/180 على لائحة الفساد، ما يعني أن لبنان أكثر فساداً من بناما بأشواط، وهذا يدل على عدم جدوى الدولرة إذ لم يخط لبنان خطوات جدية لمحاربة الفساد وتنظيف الادارات من الفاسدين".
واكد "ان للدولرة الشاملة حسنات في المطلق، كالحد من التضخم وخلق حالة استقرار مالي، انخفاض في معدلات الفائدة ما يشجّع المستثمرين داخلياً وخارجياً، خلق جو من الثقة في القطاع المالي اللبناني، تسهيل المبادلات التجارية مع العالم الخارجي، وإزالة مخاطر التقلّب في قيمة العملة وسعر الصرف".
وعن السلبيات قال همدر: "قد يخسر لبنان في الدولرة الشاملة سيادته على عملته، كما قد يخسر الاستفادة من طبع العملة "Seigniorage" حيث يجني لبنان من طبع العملة ربحاً كأي بلد في العالم، كما سيخسر هويته الوطنية إلى جانب خسارة التأثير في الاقتصاد وفي السياسات النقدية المنوطة بالبنك المركزي".
وأوضح "ان اتباع الدولرة الشاملة يحتّم على لبنان أن يغطّي كل الكتلة النقدية وكل حاجات القطاع الخاص وكل الأموال بالليرة لدى الناس في البنوك والبيوت وكل أموال البنوك بالعملة الوطنية في البنك المركزي وكل ديون الدولة بالعملة الوطنية، إضافة إلى كل حاجات القطاع العام، ما يطرح سؤالا جديا ومهما من اين سيأتي لبنان بكل هذه المبالغ بالدولار، هل هناك نية باستعمال الذهب أو بيع موارد الدولة إلى ما هنالك من علامات استفهام؟".
وختم همدر: "في كلمة أخيرة، إن أي محاولة لحل الوضع المتأزم في لبنان دون محاربة الفساد، ودون خطة تعاف اقتصادي جدية، ودون هيكلة القطاع المالي، ودون التحقق من حسابات مصرف لبنان او التحقيق الجنائي، ودون استقرار سياسي يعيد الثقة بالاقتصاد الوطني وبلبنان، لن يغيّر من الوضع الراهن كثيراً مهما اختلفت الأدوات التي ستستعمل في بلدنا".
========= ن.م