وطنية - المتن- نظمت الحركة الثقافية - أنطلياس ندوة حول كتاب رئيس الجمعية الثقافية الرومية الدكتور نجيب جهشان بعنوان "شمسي لن تغيب" في إطار المهرجان اللبناني للكتاب في دورته الـ41، شارك فيها محافظ بيروت السابق نقولا سابا والدكتور أديب صعب وأدارتها الدكتورة جوليات الراسي التي أشارت إلى أن "فرادة هذا الكتاب تكمن في تناوله موضوعًا لا تزال الدراسات حوله قليلة على المستوى المحلي وحتى العالمي"، ولفتت إلى أن "الكتاب يتناول تطور الحضارة الرومية ووضعها الحاضر استشرافًا لمستقبل مشرق. كما يفسّر بوضوح سبب اعتماد المؤلف لمصطلح الروم بدلا عن البيزنطيين".
ورأت الراسي أن "المؤلف محق في اعتماده مصطلح الروم ، لأن المصادر العربية في القرون الوسطى تعتمد هذا المصطلح التاريخي الصحيح عينه، أما مصطلح البيزنطيين فقد اعتمد في الغرب الأوروبي ابتداء من القرن السادس عشر".
سابا
بعد ذلك تحدث سابا عن "الأممية عند الروم وانتشار الحضارة الرومية عند الشعوب والامم ومنها الشعوب السلافية"، فأشار إلى أن "الاممية هي نقيض القومية والاثنية"، وقال:"لقد اعتمدت الدولة الرومية على الاممية كمبدأ ثابت في التعاطي السياسي والاجتماعي والثقافي مع شعوب المسكونة وحتى مع البرابرة. احترمت الدولة الرومية مبدأ الاممية ولم تفرق بين قومية واخرى بل اعتمدت اجراءات تمنع التغني بالقومية والمناطقية او التمييز بين شعب وآخر على اسس لغوية وهذا كان مبدأ من مبادىء الحكم واساسا في تنظيم المجتمع. لم تحاول يوما الدولة الرومية فرض توحيد لسان شعوبها بلغتيها الرسميتين اللاتينية أو ال Koine اليونانية التي كتب بها الانجيل وبقيت اللغة الرسمية لدولة الروم حتى سقوط القسطنطينية سنة 1453".
ولفت إلى ان "الدولة الرومية واجهت خلال 11 قرنا اي منذ سنة 313 تاريخ صدور مرسوم ميلانو الذي سمح بحرية المعتقد الى سنة 1453 تاريخ سقوط القسطنطينية، كثيرا" من الغزوات والاعداء المتربصين بها لاسيما الفرس والغوط الجرمان والعرب والسلاف والفرنج (الصليبيين) والسلاجقة والاتراك وغيرهم . ولكن ما انهك الدولة الرومية في عدة محطات تاريخية مفصلية كان الفكر القومي عند بعض الامم داخل الامبراطورية".
في سياق منفصل، أشار سابا الى ان "عصر القوميات منذ بداية القرن ال 19 وحتى نهاية الحرب العالمية الاولى والآتي من الغرب الينا، أدى الى ثورات وانشاء دول جديدة كاليونان وصربيا وغيرها ولكنه في الوقت نفسه ادى الى تهجير كل الروم واليونان في الجزء الاسيوي من تركيا بعد معاهدة لوزان سنة 1923 وهنا ايضا نرى كيف ان الفكر القومي قوى العنصرية وأدى في نهاية المطاف الى تطهير عرقي محزن تعرض له أصحاب الارض في اسيا الوسطى وهم الروم".
وقال: "نرى اليوم محاولات جديدة مصدرها الغرب تحاول ضرب الفكر المسيحي المنفتح والمتسامح في الجسم الكنسي الموحد من خلال تفتيت الكنيسة الى كنائس "وطنية" متقوقعة خلافا لتاريخ الكنيسة وللتراث الرسولي وتجعل من هذه الكنائس اداة طيعة في يد الانظمة السياسية كما حصل مؤخرا في اوكرانيا مثلا التي كانت خلال كل تاريخها جزء لا يتجزأ من الكنيسة الارثوذكسية الروسية".
وختم سابا: "قد تكون للقومية فائدة في وحدة الدول وفي الدفاع عن الهوية للشعوب، ولكن الارتقاء الى السلام والاستقرار والانفتاح والتسامح بين الشعوب والامم لا يحصل الا ببث الفكر الاممي العابر للاثنيات وللاختلافات".
جهشان
وفي الختام كانت كلمة شكر للمؤلف أشار فيها إلى أن "الحضارات، في العالم البشري، هي ظواهرُ أكادُ أصفُها بالطبيعية لأنها تشابهُ في نشأتِها وتفرُّعها وتطوُّرها وتفاعلِها ظواهرَ الأصناف والأجناس في عالم المخلوقات المِجهرية والنبات والحيوان".
وقال: "شمسي لن تغيب" كتابٌ يحاولُ أن يسردَ سيرةَ الحضارة الرومية منذ نشأتِها حتى يومنا الحاضر. هو يفصِّلُ بدقةٍ ظروف نشأتِها ويروي الفصولَ الزمنيةَ التي عبرَتها ويتوسعُ في شرح نتاجِها الثقافي ويحلّلُ الصعابَ والمآسيَ التي مرّت بها. وفي تحليلِ سيرة هذه الحضارة، يكشفُ الكتابُ بوضوحٍ الصراعاتِ التي عانت منها هذه الحضارةُ في علاقاتها بالحضاراتِ المجاورة التي تزامنت معها".
وسلط جهشان الضوء في مداخلته على "الحضارات التي تأثَّرَت بها الحضارة الرومية أو أثَّرت فيها"، ورأى أن "صراعَ الحضارات مستمرٌّ الى اليوم دون هوادةٍ، وهو يتسِّمُ في الوقت ذاته بالسلبية والإيجابية. هو سلبيٌ بقضائه على وجود حضاراتٍ وعلى سماتِها وتقاليدها، وهو إيجابيٌّ بفضل التبادل بين الحضارات في كلِّ أوجهِ الوجود البشري. لكنَّ الحقيقة المرّة التي لا مفرَّ من قبولها فهي أن الحضارة، كلَّ حضارةٍ، مدعوةٌ للصراعِ من أجل البقاء، والصراعَ يفرضُ القوةَ المعنوية والمادية، أي الديمغرافيا الوازنة والقوة الاقتصادية والقوة العسكرية والقوة الإيمانية والقوةَ العلمية، قوىً كلها مجتمعةً داعمةً للوجود".
=================