ندوة عن كمال جنبلاط وكلمات شددت على كونه مفكرا وطنيّاً مشرقيّاً وعربيّاً

وطنية - عقدت إدارة موقع حرمون- المنتدى الثقافي، ندوة عن بعد بعنوان "كمال جنبلاط مفكرا وشاعراً عرفانياً"، حضرها أدباء وشعراء وأساتذة جامعيون وطلاب ومهتمون، أبرزهم: العميد البروفسور محمد شيا، المفتش التربوي والشاعر والناقد سلمان زين الدين، الأستاذ الدكتور عماد شيا، الدكتور منير مهنا، الدكتور والاديب رفيق أبو غوش، الأستاذ الجامعي رؤوف ريدان، الزميل عارف مغامس، الكاتب الإعلامي هاني سليمان الحلبي، رئيس بلدية راشيا رشراش ناجي، الناشط السياسي محمد احمد امين، الناشط الإعلامي والتقني عبدالإله الهويدي، المربية ابتسام أبو سلهب ورئيس جمعية اللقاء البيئي الناشط وليد سيف الدين.

افتتحت الندوة أبو سلهب مرحبة بالمحاضرَيْن الدكتور شيا والزميل مغامس وبالحضور. ومما قالت: "أرحّبُ بكم أجملَ ترحيبٍ لمشاركتِكُم في ندوةٍ فكريةٍ ثقافيةٍ نعقِدُها اليومَ من بُعْد، تحيةً لروح المفكّرِ الإصلاحيِّ الكبيرِ الشهيدِ كمال جنبلاط، بمناسبة الذكرى المئةِ والخامسةِ لميلادِه".

واضافت: "التحيةُ واجبةٌ للكبارِ قاماتٍ وأعلاماَ يجعلونَ ميلادَهم فاصلاً بينَ ما قبلَهُ وما بعدَه، وإليه تقاسُ الأزمنةُ وأحداثُها وإلى المبادئِ التي يقدّمونَها معياراً لقيمةِ الحياةِ ومعناها، حيث تصبحُ صِراطاً مستقيماً لآلافِ المريدينَ يتّخذونَهُ مرجعيةً وقدوةً ونبراساً به يهتدون".

وختمت: "هؤلاءِ همُ الكبار، والشهيدُ الكبيرُ كمال جنبلاط من طليعتِهِم المناضلةِ في كفاحِهِ العاصفِ طيلةَ أربعةِ عقودٍ فتبوّأَ عرشَ السياسةِ اللبنانيةِ ومركزاً أساسياً في حركةِ الفكرِ في لبنانَ والعالمِ العربي، مُطلقاً بصمات وإضافاتٍ جوهريةً وأصيلةً للنظريةِ الفكريةِ السياسيةِ الاجتماعية. نحاولُ اليومَ برفقةِ أستاذَيْنِ معطاءَيْنِ تلمُّسَ بعضِ هذهِ الإضافات".

الحلبي

ثم ألقى ناشر موقع حرمون – المنتدى الثقافي، مدير الندوة الكاتب الإعلامي هاني سليمان الحلبي كلمة جاء فيها: "يُسعد إدارةَ موقعِ حرمون – المنتدى الثقافيّ، في مسيرته الإعلامية والثقافية والفكرية منذ كانونِ الأول 2009، أن تستمرَّ بالإضاءةِ على قاماتٍ من بلادي، من دون توقّفٍ رغمَ الظروفِ القاسيةِ والمُرّة التي تعصفُ ببلادِنا وشعبِنا. ويُسعدُ إدارةَ الموقعِ أن توجّهَ تحيةً عميقةً وأصيلةً لروحِ المفكرِ الإصلاحيِ التقدمي الشهيدِ الكبيرِ كمال جنبلاط بالذكرى الـ 105 لميلاده، وتهنئ محبيه بهذا الميلاد المبارك. وان أفضلَ طريقةٍ لتوجيهِ هذهِ التحيةِ تكونَ بالفكر، الفكر الذي تنفّسَهُ كمال جنبلاط في نضالِهِ كله، مجاهداً للخروجِ من السجونِ كافة، سجونِ الدولِ والطوائفِ والعنصريّاتِ، عندما تكون كل هذه المؤسسات سجوناً، إلى رحابِ حقيقةٍ مطلقةٍ كانت تملأً وجدانَهً وروحَه".

أضاف: "كان كمال جنبلاط بكونِهِ مفكّراً نضاليّاً وطنيّاً مشرقيّاً وعربيّاً، وفّرَ انسجاماً متيناً بين ثنائيّات فلسفيّة كان يراها غيرُه جَدَلَ متناقضاتٍ، لكنّها في مِنهجِهِ أصبحتْ جَدْلاً متناغماً وليس جَدَلاً متناقضاً.. ففي الوقتِ الذي رأى الفردَ الإنسانيّ منطلقاً، ليعرفَ كلُّ منّا نفسَهُ ويُصلحُها، بما استطاعَ سبيلا، لم يستغرقْه الفرد، كما استغرق نقولا برادييف مثلاً، ولم يغدُ عندَهُ هذا الفردُ الجوابَ النهائيَّ على كلّ سؤال. فالفردُ في واقعِهِ المجتمعيّ الإنسانيّ هو طاقةُ تفاعلٍ وقدرةُ عطاءٍ في بيئةِ مجتمعٍ إنسانيٍّ معاييرًه قيمُ الاحترامِ والحريةِ والوعي".

وإذ رأى أن "هنا الفرد الكماليّ الجنبلاطي، إنْ صحّتِ التسمية، ليسَ منكفئاً عن معركةِ النضالِ لإصلاحِ الجماعة، كما أن الجماعةَ معنيةٌ بتأهيلِ أفرادِها بسويّةٍ راقيةٍ تمدُّنية. هذا التناغمُ بين الفردِ المتفاعلِ والجماعةِ المدركةِ هو المعادلةُ التقدميّةُ للحياةِ الراقية"، قال: "مثّل كمال جنبلاط نموذجاً فريداً في النضال السياسيّ الإصلاحيّ في لبنان والعالم العربي، لا يوازيه نموذجٌ سوى الشهيد أنطون سعاده، حيث في هذين النموذجَيْنِ النضاليّين، يتكوّنُ المنطلقُ من فكرةٍ فلسفيّةٍ متماسكةٍ مفتوحة على الفكر والفلسفة والتطوّر باستمرار، تعلّل التكتيكَ اليوميَّ والمرحليَّ وتفسّرُ الاستراتيجيةَ العميقةَ للكفاحِ لأجل قضية تساوي وجودَنا، ولا تُعدِمُ وسائلَ التحشيدِ والتدعيمِ والتعبئةِ لتوفيرِ الشروطِ الموضعيةِ للانتصارِ أبعدَ من الإطارِ الحزبيّ إلى الجبهويِّ المتكامل".

وختم الحلبي: "لروحِ هذا القامة أجلّ التكريم والتقدير ولأتباعه كل الاحترام، وخير اتباع بأن يكون معلماً وقدوة حيّة ومنهجَ عمل".

شيا 

ثم تحدث الدكتور عماد شيا عن أبرز العناوين المفتاحية في فكر كمال جنبلاط، متابعاً سير هذا الفكر منذ مطالع الأربعينيات والخمسينيات والستينيات "في تفتحه الوطني والفلسفي والإنساني والسياسي"، وعرض بإيجاز ل"نتاج كمال جنبلاط الإعلامي الصحافي في مجلة الأديب والبشير والصفاء ودفاتر شرقية، وبعد تأسيس الحزب التقدمي الاشتراكي في جريدة البيرق تحت زاوية معول وقلم، ومن ثم في جريدة الأنباء التي كان يكتب افتتاحيتها، وأيضاً في التلغراف والمحرر. وكانت تشهد الصحف التي يكتب فيها إقبالا واسعاً جداً من القراء ويتضاعف جمهورها باضطراد، وهذا مردّه إلى الفكر النيّر والإصلاحي، والقدرة على مخاطبة شرائح المتابعين والقراء كافة، بسلاسة ووضوح وشفافية وصدق".

واستفاض شيّا بتحليل "النموذج الوطني الحواري الذي مثله جنبلاط بتحشيد القوى الوطنية والتقدمية لمصلحة مشروع الإصلاح والتغيير الذي عرضه ميثاق الحزب التقدمي الاشتراكي ومن ثم البرنامج الإصلاحي للحركة الوطنية اللبنانية". واستخلص "وجود نوعين من الكتابات في تراث كمال جنبلاط الصحافي: الافتتاحية عن اليوميات السياسية والاجتماعية، والمقالة عن القضايا والمسائل الفكرية المعاصرة"، ملاحظاً "تشديد كمال جنبلاط في أكثر من مكان على ضرورة التمييز بين حق وحرية الصحافة والإعلام التي ينبغي أن تكون نسبية وخاضعة لمبدأ التكامل الحتمي بين حقوق الصحافي وواجباته وحق وحرية الفكر التي يفترض أن تكون مطلقة لأن مصدرها العقل".

وختم بدعوة "من يحب كمال جنبلاط ومن يختلف معه على أساس سياسي الى التبصر بإرثه الفكري والأخلاقي، ودعوة أبناء حزبه إلى الاقتداء بنهجه وعدم الاكتفاء باحتفاليات استذكاره"، معتبراً أن "مئات المحاضرات والندوات لا تفي نتاج كمال جنبلاط حقه بالبحث والتحليل والدرس".

مغامس

وتحدث ناشر موقع اليومية الزميل عارف مغامس بعنوان "كمال جنبلاط شاعراً في مدار العرفانية"، فقال: "أخذ  كمالُ جنبلاط  الشعرَ الى مصدر النور، مرره في مصهر ذاته وقنوات عبوره نحو قاع الاعماق، فأخذه الشعر إلى ديمومته التي لا يشيخ فيها كلام، ولا يجفُّ في وريدها كوثرُ عبارةٍ، خصوصا أن شعره هو "رؤيا" وقصائد، تضيءُ بصيرة الساعين الى السلام الداخلي، والمصالحةِ مع الذات، وسلوكِ طريقِ المعرفةِ الكليةِ، ومعرفةِ الخالقِ". 

وتابع: "إن العالم المرجعي لا يكفي الشاعر ليعبر عن ماهية الوجود وعن الحقائق النفسية والفكرية والجمالية التي تسكنه. ويأتي التدخل الحاسم للعالم الفني والافتراضي، ليشكل فعل خلاص من عدم الكفاية، لذا اختار كمال جنبلاط  أن يسلك طريق مكاشفة الوجود وتشكيل العالم من جديد عبر الشعرية العرفانية ، حيث شكّل الِعرفان مذهبا في الحياة وتجربة في الكشف عن الباطن والتّعبير عنه، بحثًا عن كوامنه، بوصفه علمًا يشقّ الطّريق التي توصل إلى الحقيقة المطلقة، عبر قنوات غير مرئية في الانسان، انطلقت من رؤية مختلفة في النّظر إلى العالم وأشيائه لتمنحه خصوصية تميزه عن العوالم الاخرى، من منظور يرتكز إلى خطاب فكري وتشكل إبداعي يتجاوز فيه العرفاني الأعراف الفكريّة والموروثات الماضويّة السّائدة من أجل خلق فضاءات جديدة تسهم المفارقة في رسم آفاقها والكشف عن تمظهرات القيم العرفانية التي تكتنزها اللغة وتسعى لتحويلها إلى مفاهيم جمالية. وتمثّل شعرية المفارقة  العرفانيّة عند جنبلاط تجليا حداثيا، وابتكارًا فريدّا في مقاربة القضايا الفكريّة والتّعبيريّة، بوصفها ظاهرة فنيّة وأسلوبية وتقنية وليست حدثًا. وإذ تمثل حداثة كمال جنبلاط انفتاحا على التراث وابتعادا عن التقوقع فيه، فهي في جانب من جوانبها اختراق صوفي لمفهوم الانزواء  والوحدة والعزلة، وانعتاق من الخضوع  لسلطة النص الذي كرس تاريخيا قناعا حجب النور عن جمالية اللغة المنشغلة بالعالم العلوي الذي انشغل به جنبلاط دون أن يتخلى عن محاورته العالم الارضي الذي عاش همومه قائدا ثورويا وزعيما سياسيا عرف كيف يخلق تلك المسافة بين العالمين ممارسة وكتابة. وإذ شكّلت العرفانيّة، تاريخيًّا، انقلابًا معرفيًا وإبداعيًا في آن، فشعرية المفارقة عند جنبلاط انتجت نصًّا نقيًا في ذاته وفي لغته التي تتجاوز السّطوح سعيًا لمكاشفة الوجود وتمزيق أسراره واكتناهه. وهنا يصير لزاما أن نتساءل: ما الذّي يبقى للشعريّة من وظيفة إذا كان العرفانيّ شاعرًا؟. الشاعر، بطبيعته عرفانيّ في مستوى من المستويات خصوصًا إذا صارت الحقيقة بالنّسبة إلى هذا الشّاعر قضية وجوديّة، فلن يكون الشاعر شاعرًا إذا لم يكن عارفًا من أهل النظر، ولن يكون العارف عارفًا من أهل النظر إذا لم يكن شاعرّا، ، لغته الشعريّة موازية قدرته العرفانيّة، على حد تعبير الناقد الجليل البروفيسورعلي مهدي زيتون وإذا كانت الشّعريّة حركة مستمرّة ومواكبة لحركة الإنسان وتطور أدواته المعرفيّة والثقافّيّة، فهي مولجة أن تسمّي ما لا يستطيع العلم تسميته، عبر شبكيّة العلاقة بين الكلمات في محاولة لإعادة رسم هذا العالم من جديد".

وقال: "إذا كان العالم الثقافي في عصر كمال جنبلاط عالما مأزوما، يعاني تصدع الأبوة الشعرية، وانسداد افق الارتكاز الى جدية الحداثة في قيادة الشعر وضياع الطّريق  فهل سيشكل العرفان حلا لمأزقية هذا العالم المأزوم، بوصفه كشفاً دائم التّوهج ومسلكًا نورانياً شعشعانياً، ومرشداً للطريق".

وتابع مغامس: "سأحاول أن أجيب عن ذلك من خلال  الكشف عن القدرة العرفانية في تشيكل حالة الاشعاع النوراني في مواجهة ما هو خفي في الجانب المعتم من النص، وتقصي اقاليم الشعرية العرفانية في لحظة تجليات الخلق الشعري وتمظهرات جوانية المعنى وكوامنه المستترة في مفارقات وجدليات منها مفارقة المرئي/ واللامرئي وتجليات الذات العارفة، ومفارقة الواقعي /المتخيّل ومضمرات شعريّة العرفان. ومفارقة الأنا / الآخر ووجودية الخلاص العرفاني". ثم قدم نماذج تحليلية من دواوين جنبلاط عالجت تلك المفارقات.

مداخلات وأسئلة

وكانت باقة أسئلة ومداخلات من الحضور، كانت أبرزها مداخلة من العميد شيا، الذي عرض لواقعة كان شاهد عيان عليها "بين الكبيرين ميخائيل نعيمة وكمال جنبلاط عندما قرأ نعيمة قصائد لجنبلاط ووجد لحناً في العروض فاستأذن بتصويبها، فرفض جنبلاط وطلب بقاءها كما فاضت من وجدانه وقلبه". وأشار العميد شيا إلى "معنى الحقيقة عند جنبلاط بأن الافراد الساعين إليها لا يبلغونها لكنهم قد يشارفونها في سعيهم الدؤوب، الحقيقة ليست عند احد كاملة، ولا يحوزها احد، لا كفكر ولا كمؤسسة ولا كفرد ولا كاتجاه، ربما كلهم وجوه لها وانعكاس عنها ومنها".

وكانت مداخلة للناشط الثقافي محمد احمد امين تناول فيها "اثر كمال جنبلاط على الساحة الثقافية والفكرية وموقعه الوطني والعروبي وركز على نهج جنبلاط الرؤيوي والفكري".

كما كانت مداخلة للدكتور منير مهنا أشار فيها إلى "قيمة كمال جنبلاط الفكرية والفلسفية والحاجة إلى المزيد من البحث والتعرّف والدرس"، وسأل الزميل مغامس عن "المعجم الصوفي الذي استخدمه جنبلاط".

كذلك كانت مداخلة للناشط التقدمي كامل مرعي ابو زور تناول فيها "موقع كمال جنبلاط  السياسي والثقافي واسباب استهدافه جسدا وخلوده فكرا وثقافة وحضورا"، ثم مداخلة الناشط وليد سيف الدين شاكراً المحاضرين وإدارة الندوة ولافتاً إلى "عدم صوابية كلمة الراحل في وصف كمال جنبلاط، فجنبلاط وأمثاله باقون في الوجدان والتاريخ ولا يرحلون".

عقب المحاضران على المداخلات والأسئلة، وكان مسك الختام دعوة من الدكتور شيا إلى "التعمق في نتاج جنبلاط" لكل المهتمين به.

               ==================

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب