حبرية عمل الله احتفلت بعيد المؤسس القديس خوسيه ماريا اسكريفا
المطران صفير: القداسة حركة تحقيق وتواصل مستمرة

وطنية - احتفلت "حبرية عمل الله" في لبنان بعيد مؤسسها وشفيعها القديس خوسيه ماريا اسكريفا. وفي المناسبة ترأس راعي أبرشية قبرص المارونية المطران سليم صفير بالذبيحة الإلهية في كاتدرائية مار جرجس المارونية في وسط بيروت يحيط به المونسنيور خيسوس غونزالس والآباء فادي سركيس وجاد شلوق وحبيب بويز، شارك فيها المنتسبون الى الحبرية في لبنان وعائلاتهم.
 
ألقى المطران صفير بعد الإنجيل المقدس عظة تحدث فيها عن صاحب العيد وحياته وإيمانه وصولا إلى قداسته، وقال:"العائلة نهج خصيب للقداسة، أيها الإخوة الأحباء، يسعدني أن أحتفل معكم في هذا الصباح بعيد القديس خوسيماريا إسكريفا دي بالا غير، في هذه الكاتدرائية الشاهدة على بطولة القداسة واسمحوا لي ، قبل أن أفتتح معكم موضوع التأمل في هذا العيد الميمون، أن أنقل إليكم بركة ودعاء أبينا السيد البطريرك نيافة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى الذي يتحد معنا في هذا اليوم المبارك بالصلاة".
 
وتابع: "يشرفني أن أتقدم بخالص الشكر من المطران بولس عبد الساتر، رئيس أساقفة أبرشية بيروت المارونية، وقد حال دون حضوره معنا في هذا العيد ارتباطات رعائية في الأبرشية، وكلفني أن أنقل إليكم محبته الأبوية وتقديره لرسالة عمل الله في كنيسة لبنان، مستمطرا على كل منكم فيضا من نعم السماء بمناسبة هذا العيد. فإلى سيادته منا كل عواطف الشكر والإمتنان، رافعين الدعاء إلى الراعي الصالح بأن يبارك خدمته الأسقفية في رعاية نفوس أبناء الأبرشية البيروتية. إن الطموح الأساسي للمسيحي الحق هو القداسة. فالقداسة هي هدف الإيمان المسيحي وغاية الحياة الروحية. وبذلك لا تهدف المسيحية، في عمقها، إلى تحقيق مؤسسات خيرية واجتماعية وفكرية وتربوية، إلا بمنظار هذا الطموح الأساسي، وهو إطلالـة الملكوت في كل مكانٍ وكل زمان. ومن أروع ما قاله القديس البابا  يوحنا بولس الثاني: "إن أكبر خدمةٍ يقدمها المسيحي للعالم وللكنيسة هي أن يكون قديسا".
 
وقال: الحياة العائلية، بحسب مفهوم الإيمان المسيحي، هي خبرة تحقيق قداسة الله في الواقع المعاش. فالقداسة هي من صفات الله القدوس. والإنسان يدعى إليها لكونه في أساس وجوده مخلوق على صورة الله القدوس. ويميز "شراح الكتاب المقدس" في تأملهم بنص خلق الإنسان بين "الصورة" و"المثال". فالله القدوس يخلق الإنسان على صورته أي شبيها به في الحرية والسيادة على الكون، ويدعوه إلى تحقيق التمثل به، أي أن يكون على مثاله في خبرة القداسة.  وبذلك تصبح القداسة حركة تحقيقٍ وتواصلٍ مستمرة، فهي أكثر من أن تكون نهاية مسيرة، أو صفة دائمة لإنسان أو لقب شرفٍ لبار. إنها حركة مستمرة، تستغرق أبدية الله وتلتحف عظمته. لذلك يمكننا القول أن القداسة هي حالة معينة تختبر، وواقع مميز يعاش، ومن أهم خصائصها أنها لا تحد. ومن يختبرها "ينتقل من نطاق حياته الضيق الـمستكين إلى رحاب إمكانية دخول حياة الله، إنها مجموعة مغامرات الحب الخلاق المبدع، وهكذا تغدو الحياة أعجوبة الوجود المطلقة".
 
أضاف: "القداسة هي هدف الحياة العائلية، ولكن هذا الهدف يتحقق دون أن ينتهي، لأن الله لا ينتهي، والغاية من القداسة هنا ليست مجرد فكرة أو مبدأ أو عقيدة أو مشروع،  إنما هي لقاء بالله القدوس المحب، وتواصل اللقاء معه. تقول القديسة تريزيا الأفيلية: "كل شيء يزول الله يبقى والله وحده يكفي". وفي هذا اليوم المبارك الذي نحتفل فيه بعيد القديس خوسيماريا إسكريفا دي بالاغير أدعوكم أيها الأحباء، أن نتأمل معا بنموذج قدوة لقداسة عائلاتنا فلنصغ إليه يحدثنا عن عائلة الناصرة، وعن سخاء الله في حياة قديسيه، وقد أضحوا كنزا للكنيسة الجامعة، تقتفي النفوس أثارهم رجالا ونساء شبانا وأطفالا كهنة وعلمانيين في كل مكان وزمان".
 
تابع: يقول القديس خوسيماريا عن عائلة الناصرة ما يلي : "ثم نزل معهما، وعاد إلى الناصرة، وكان طائعا لهما. وكانت أمه تحفظ تلك الأمور كلها في قلبها. وكان يسوع ينمو في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس ". ويتابع قديسنا تأمله قائلا : "لما كان يسوع ينمو ويعيش كواحد منا، كشف لنا أن للحياة البشرية ولاهتماماتنا اليومية العادية، معنى إلهيا. حتى ولو كنا قد توقفنا طويلا، متأملين في هذه الحقائق، ينبغي لنا أن نكبر باستمرار تلك السنوات الثلاثين، الخفية، التي تمثل القسم الأكبر من حياة يسوع بين إخوته البشر. سنوات غامضة، لكنها بالنسبة إلينا، مشعة كنور الشمس، أو بالحري، إشراقا ينير نـهاراتنا، ويعطيها بعدها الحقيقي، لأننا مسيحيون عاديون، نقضي حياة عادية، شبيهة بحياة الملايين من البشر، في شتى أصقاع العالم".
 
أضاف: "هكذا عاش يسوع خلال ثلاثين سنة: كان "إبن النجار". جاءت بعدها السنوات الثلاث من حياته العامة، مقرونة بصراخ الجماهير. والناس يتعجبون: من يكون هذا الرجل؟ أين تعلم كل هذه الأمور؟ إذ كانت حياته شبيهة بحياة سائر الناس في بلدته. إنه "النجار، إبن مريم" وهو الله، وها هو يحقق  فداء الجنس البشري، "جاذبا إليه كل أحد ".
كان القديس خوسيماريا يشعر بنفسه مدفوعا، بدعوةٍ إلهية، للتشبه، بنوعٍ خاص، بحياة يسوع "الخفية"، ألحياة العادية الـمشابهة لاهتمامات السواد الأعظم من الناس. هذا هو الـمثال الأعلى الذي كان يعرضه في تعليمه: "إني أحلم - والحلم أصبح حقيقة - بعددٍ وفيرٍ من أبناء الله، يتقدسون في حياتـهم كمواطنين عاديين، يتقاسمون هموم وأهداف وجهود سواهم من الخلائق. وإني أشعر بالحاجة لأن أعلن لهم عاليا هذه الحقيقة الإلـهية: إذا بقيتم في العالم، فهذا لا يعني أن الرب قد نسيكم. لكنه دعاكم لكي تتابعوا طريقكم عبر نشاطات وانشغالات الأرض؛ لأنه أعلمكم أن دعوتكم البشرية، ومهنتكم، ومزاياكم، ما هي بغريبة عن مخططاته الإلهية، فهي قد تقدست، بمثابة تقدمة مرضية للآب ".
 
تابع: كان هناك وجه آخر لم يكن لينقص في تأملات القديس خوسيماريا، حول سني الناصرة، ألا وهو شخص  القديس يوسف. كبرت تقوى  القديس الجليل في قلبه بطريقةٍ صارخة في نهاية عمره. هوذا مقطع من الـموعظة حول القديس يوسف، في كتابه عندما يمر المسيح. لكن إذا كان يوسف قد تعلم من يسوع أن يحيا بطريقة إلهية، فإني أسمح لنفسي بالقول على الصعيد البشري بأن يوسف هو الذي علم ابن الله أمورا كثيرة. لذا فلقب الأب الظني، الذي يطلق أحيانا على القديس يوسف، لا يروق لي، إذ إني أخشى الإعتقاد بأن العلاقات ما بين يوسف ويسوع كانت باردة وسطحية. غير أن إيماننا بالطبع  يؤكد لنا على أن يوسف لم يكن أباه بحسب الجسد. إنما هذه الأبوة لم تكن يوما هي الوحيدة الممكنة. لقد أحب يوسف يسوع كما يحب الأب إبنه، فاعتنى به، بإعطائه أفضل ما عنده. إهتم يوسف بـه كما أمر، فجعل من يسوع حرفيا، بتلقينه إياه مهنته؛ ولذلك، راح جيران الناصرة يتكلمون عن يسوع، فيدعونه بلا تمييز "النجار أو إبن النجار". إن يسوع قد عمل مع يوسف، في مشغله. فكيف كان ينبغي على يوسف أن يكون، وكيف تفاعلت النعمة فيه، ليستطيع أن ينجز بإتقانٍ مهمة تربية ابن الله، على المستوى البشري؟. فلا بد أن يكون يسوع قد شابه يوسف، بملامح خلقه، وبطريقة العمل والكلام. في واقعيته، في دقة الملاحظة، في طريقة جلوسه إلى الـمائدة، وكسر الخبز، في تفضيله  لعرض العقيدة بطريقة ملموسة، متخذا أمور الحياة اليومية مثالا، وفي كل تلك الأمور تظهر ما كانت عليه طفولة وحداثة يسوع، وما كانت بالتالي علاقته مع يوسف".
 
 وأكد أن "الكنيسة عبر تاريخها أرادت ، بالإصغاء المرهف إلى الروح القدس، أن تعلن بعض الشخصيات التي حاولت مواصلة الإنسجام والتجاوب مع مبادرة الله الـمحبة. أولئك الذين حاولوا تقبل سخاء الله ونعمه الغير محدودة، فتلقوا الروح القدس، ونجحوا، وتقدسوا، وكانوا ذلك "السحاب الكثير الكثيف من الشهود" (عب12/1) الممتلئ من محبة الله وقداسته".
 
أضاف: "وفي تعليمه عن العائلة يقول قداسة البابا فرنسيس : وتشبها بالعائلة الـمقدسة، نحن مدعوون لكي نكتشف مجددا القيمة التربوية للنواة العائلية: التي ينبغي لـها أن تقوم على الحب الذي يجدد العلاقات على الدوام من خلال فتح آفاق الرجاء. ففي العائلة يمكننا أن نختبر الشركة الصادقة عندما تكون بيتا للصلاة، وعندما تكون الـمشاعر عميقة ونقية، وعندما يسود الغفران على الخلافات، وعندما يجف الحنان الـمتبادل والاتباع الهادئ لإرادة الله من قسوة الحياة اليومية. بهذه الطريقة، تنفتح العائلة على الفرح الذي يمنحه الله لكل من يعرف كيف يعطي بفرح. وفي الوقت عينه، تجد أيضا الطاقة الروحية للإنفتاح على الآخرين، وعلى خدمة الإخوة، والتعاون من أجل بناء عالمٍ جديدٍ وأفضل على الدوام، فتصبح بالتالي قادرة على أن تكون حاملة لحوافز  إيجابية؛ إن العائلة تبشر بواسطة مثالية حياتها. ولقد أضاف قداسته :" صحيح، أن هناك صعوبات في جميع العائلات، وقد يتشاجر أفرادها في بعض الأحيان. قد يقول لي أحدكم "يا أبتي، لقد تشاجرت " - ولكننا بشر، ونحن ضعفاء، ولدينا جميعا في بعض الأحيان هذا الواقع،  أننا نتشاجر في العائلة. سأخبركم بأمر: إذا تشاجرنا في العائلة، فلا يجب أن يمر اليوم بدون استعادة السلام. "نعم، لقد تشاجرت" ولكن قبل أن ينتهي اليوم، أستعيد السلام".
 
وختم: "هناك كلمات ثلاث يجب الحفاظ عليها دائما: "عن إذنك"، "شكرا"، "وعذرا". إذا وجدت هذه الكلمات الثلاث في العائلة، وفي البيئة الأسرية، فإن العائلة ستكون بخير. لذلك أيها الإخوة المباركون، فنحن الذين يحيط بهم هذا الجمع الغفير من الشهود، فلنلق عنا كل عبء وما يساورنا من خطيئة ولنخض بثبات ذلك الصراع المعروض علينا، محدقين إلى مبدأ إيماننا ومتممه، يسوع الذي، في سبيل الفرح المعروض عليه، تحمل الصليب مستخفا بالعار، ثم جلس عن يمين عرش الله" (عب12/1-2).   لكي يعد لنا مكانا حيث هو".  فلنصل مع القديس البابا يوحنا بولس الثاني قائلين :أيها القديس يوسف، حارس ومدبر العائلة حيث نشأ وترعرع  يسوع، أيها العامل الذي ما عرف الكلل وحفظ بمنتهى الأمانة، ما عهد به الله إليه، إحم عائلاتنا ونورها وادفع عنها الأذى.  أيتها العذراء مريم، أم الكنيسة الحنونة، كوني أما لكل عائلةٍ من عائلاتنا لتصبح بمعونتك الدائمة، كنائس منزلية يشع فيها الإيمان، ويسودها الحب ويحييها الرجاء. يا خادمة الرب الأمينة، كوني مثالا لكل فردٍ من أفراد عائلاتنا ليريد ما يريده له الرب بتواضعٍ وسخاء. يا من تألمت مع ابنك الـمصلوب، خففي من آلام عائلاتنا. أيها المسيح إلهنا، أملك على عائلاتنا، وكن حاضرا فيها، كما كنت في قانا الجليل، وجد عليها بالنور والفرح والقوة. أفض بركاتك عليها، بالـمحبة والسلام. يا عائلة الناصرة المقدسة، التي عشت عيشة صامتة، وعانيت من فقر واضطهاد وتهجير، ساعدي عائلاتنا لتقوم بأمانة بمسؤولياتها اليومية، وتتحمل بإيمان متاعب الحياة ومشقاتها، وتهتم بسخاء بحاجات الآخرين، وتتم بفرحٍ إرادة الله. أعضدي عائلاتنا في مسيرة القداسة، لكي تكون خميرة حب ووحدة وأمانة في قلب العالم. آمين".

                      ================ ج.س
 

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب