الخطيب: لتكن الانتخابات نهاية الانحدار وبداية الاعتبار ولننطلق في الغد الى اول الاصلاح بانتخاب رئيس للمجلس النيابي دون مكابرة

وطنية - أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة، في مقر المجلس، وألقى خطبة الجمعة التي قال فيها:

"الحمد لله حمدا كثيرا كما يستحقه وكما هو أهله، ونستغفره ونتوب إليه، ونستعينه في أمورنا كلها صغيرها وكبيرها، حقيرها وخطيرها، فهو الملجأ والمدافع والحامي والناصر والمعين، وله القوة التي لا تنفذ، والإرادة التي لا ترد، والحول الذي لا يضعفن والمكر الذي لا يدانيه مكر، {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}. فلك اللهم الأمر والنهي وأنت المستعان في الأمور كلها، عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير، ونسألك الهداية والرشاد، ونعوذ بك من الضلال والاضلال وسوء المنقلب، وصل اللهم وسلم على السيد المصطفى والحبيب المرتجى للشفاعة يوم اللقا، سيد السادة، الحرمة المهداة للعالمين، الملقب بالأمين، خير من بلغ الحق ودعا ونصح وهدى، لم تأخذه في الله لومة لائم وعلى آله الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا، وجعلتهم أحد الثقلين، "إني تارك فيكم الثقلين إحداهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي اهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا لن يفترقا حتى يردا علي الحوض"، أئمة للهدى {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين}، أمرت الخلق بطاعتهم وأجبت مودتهم، المتقدم لهم مارق، والمتأخر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق، نشهد بأنهم أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وبذلوا أنفسهم في سبيلك، وأوضحوا منهاج الدين وأبانوا سبيله ونفوا عنه الشك والريب وأزالوا عنه الشبهات، حتى بان الدين ووضح، ولم يبق للمنافقين من حجة ولا للضالين من دليل، فلك اللهم الحمد أن أنعمت علينا بنعمة الايمان والهداية ونعمة الولاية، ثبتنا الله وإياكم بالقول الثابت، اللهم لقنا حجتنا يوم نلقاك هادين مهديين غير ضالين ولم مضلين، (ومن يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له)،( من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا)".
 
اضاف: "أيها الاخوة المؤمنون، لقد وردت هذه الآية التي تلوتها أقصد ما قبل الأخيرة في سورة الأعراف التي وردت بعد قوله تعالى {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين}، الى الاية 187 فقيل: هو بلعام بن باعور، عن ابن عباس، وابن مسعود، وكان رجلا على دين موسى، وكان في المدينة التي قصدها موسى، وكانوا كفارا، وكان عنده اسم الله الأعظم، وكان اذا دعا الله تعالى به أجابه. وقيل: هو بلعم بن باعورا، وقيل: انه امية بن أبي السلط الثقفي الشاعر: وكانت قصته انه قرأ الكتب، وعلم ان الله سبحانه مرسل رسولا في ذلك الوقت، ورجا أن يكون هو ذلك الرسول، فلما أرسل محمدا حسده ومر على قتلى بدر فسأل عنهم فقيل قتلهم محمد. فقال: لو كان نبينا ما قتل أقرباءه، وأنزل الله فيه قوله: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه}، وقيل: انه أبو عامر بن النعمان بن صيفي الراهب الذي سماه النبي بالفاسق، وكان قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح فقدم المدينة، فقال للنبي: ما هذا الذي جئت به؟ قال: فأنا عليها، فقال: لست عليها، ولكنك أدخلت فيها ما ليس منها. فقال أبو عامر: أمات الله الكاذب منا طريدا وحيدا! فخرج الى أهل الشام وأرسل الى المنافقين أن استعدوا السلاح، ثم أتى قيصر وأتى بجند ليخرج النبي  من المدينة، فمات بالشام طريدا وحيدا، ويكون معنا (فانسلخ منها)، أعرض عن آيات الله وتركها (فأتبعه الشيطان) أي خذله الله وخلى بينه وبين الشيطان".

وتابع: "هذه قصة من القصص التي يذكرها القران الكريم للعبرة وسببا من أسباب العناد للحق والضلال، وهو العجب بالنفس الذي يمنع الانسان من الانصات لصوت الضمير، والخضوع لموازين الحق او الحسد الذي يدفع الانسان اتخاذ مواقف خطيرة ومصيرية، خصوصا مع معرفته بالنتائج التي تترتب عليها، فهو يعرف أنه يتركب الخطأ بل الخطيئة وينتهج طريق العداء للحق والعصيان لله سبحانه وتعالى، ويعرف تماما نهاية الطريق وهو الخسران كما حصل مع أمية ابن السلط او ابن باعورا، حتى أنزل الله تعالى فيه قرآنا وأمر رسوله ان يتلوه على الناس وأن يخبرهم به وهو قرآن مجيد في لوح محفوظ، ولذلك كان العجب بالنفس من الآفات الاخلاقية الخطيرة والأمراض النفسية التي تفسد على الانسان حياته واستقراره النفسي، ولا تقتصر عليه وانما تتعداه الى الإضرار بالآخرين، من الذين انعم الله عليهم أيا كانت مادية او معنوية فيمكر لهم ويصبح همه ازالة هذه النعمة عنهم ويسلك في سبيل ذلك كل الاساليب التي يرى انها تحقق له هذه الغاية من الكذب والافتراء والدس وتشويه السمعة وارتكاب الخيانة والخروج عن الايمان وعما كان يعتقده من الحق لان نفسه الامارة بالسوء امتلأت بالحقد والضغينة وفرض الشيطان عليها سلطانه فاختفى منها نور الايمان والحق وسيطر عليها الظلا ، {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين} فالحق بمثابة الجلد للإنسان وهو حينما يدعه كمن ينسلخ عن جلده فاتبعه الشيطان كما هي الجراثيم تفتك بالجسد حينما يفتقد درعه الواقي وهو الجلد  الذي يرمز للإيمان حيث اعمى الحسد الذي تمكن من امية بن الصلت من ان يذعن للحق ويسلم له ويخون ايمانه وما يعرفه من الحق  ويخون قومه ويذهب الى القيصر لينتقم له من قومه وبني جلدته وهو نفس السبب الذي دعا ابليس وهو العالم والعابد ان يتنكر لإيمانه ويدعوه الى التنمر والتغول في التحدي والعصيان لأمر الله والخضوع لسلطانه بالسجود لآدم ليس لعدم وضوح الحق فمعرفة الحق امر فطري لا يحتاج الى برهان لكن الخلل وهو في تمكن الشهوات والغرائز من النفس يفسد هذه الفطرة ويعمي البصيرة عن ان ترى النور كالمرض الذي يصيب العين ويمنعها من رؤية الاشياء فلا يهتدي للحق طريقا قال تعالى: {بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}".
 
واكد الخطيب "ان حب الدنيا والمصالح المادية وجمع المال والثروات وامتلاك القدرة وحب السيطرة والهيمنة والامرة والسلطة، كلها عوامل تفسد على الانسان  طريق الصلاح وتأخذ بيده الى طريق الضلال والفساد، بل الامم. فالأمم كالأفراد تفسد وتصلح بمقدار ما تكون لها السيطرة على طموحاتها وبمقدار ما تحركها الاطماع والغرائز وبمقدار ما يكون لاحداها غلبة على الاخرى. وقد كانت مهمة الانبياء والرسل ان تبين للناس كيفية التوازن بينها وان تعيده لها حين تجنح بها غرائزها وتبلغ بها حدا تصبح القيم معها في معرض الزوال وغياب الحجة عن الناس حتى تستقيم المساءلة والعقاب {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}".
 
وقال: "أيها اللبنانيون، إنني أخشى أن يكون حالنا اليوم في لبنان ونحن نتنكر لمصالح شعبنا ومواثيقنا الوطنية وابسط موازين الحق والعدل التي يجب ان تتحكم بمواقفنا وغرائزنا مع ما نراه من هذا الانحدار في الاصرار على السير في طريق الهاوية الذي وصلنا اليه ورفع الشعارات العنصرية المقززة، كمثل قوم هود وهو يحذرهم من النتائج الكارثية حتى اذا جاءهم العذاب وأنزل الله فيه قوله: { فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم}، اتاهم العذاب وانتهى امرهم الى المصير المحتوم. فإلى متى هذا الاصرار على السير في طريق الهاوية. لقد كبر على البعض ان ينام الجنوبيون وهم من كل الاديان والطوائف ملء جفونهم وهم يشعرون بالأمن والامان بعد ان حرروا ارضهم واطمأنوا على أبنائهم الذين كانوا لا يعرفون الفرحة ولا البسمة التي قتلها العدو الاسرائيلي في عيونهم، ولا الاستقرار الذي كان العدو يسلبهم، ولا الحرية التي استلبها من حياتهم. حتى اذا استعادها جن جنون البعض منكم وفيما تآمر معه حين مارس عدوانه واحتلاله حتى اذا تمكن هؤلاء الذين امتلأوا عزة كرامة واندفعوا متكلين على الله وحقهم فحرروا لبنان من العدو، أظهر البعض ما تكنه صدورهم من الحقد والكراهية بعد ان تنكروا  لشهدائه ووصفوهم بالقتلى، كأن من يحرر الارض عدو لهم، وامتنعوا حتى عن استنكار الاحتلال والعدوان الاسرائيلي واستمروا في ضخ الاكاذيب وبث البغضاء والفتنة بين اللبنانيين فأمعنوا بالتضليل واستبدلوا الاحتلال الاسرائيلي بتسميته ظلما "الاحتلال الايراني" اصرارا على انكار تضحيات شعبنا الذي بعظمته وقيمه وصبره يتواضع حرصا على حفظ مصالح لبنان ووحدة ارضه وشعبه".

اضاف: "كفى إسفافا وتنكرا واستعداء، فاتقوا الله في الدماء البريئة التي ساهم بعضكم في سفكها في حروب اهلية أشعلت لم نشارك بها، وحاولوا جرنا اليها مرة بعد اخرى، فخاب سعيهم وباؤوا بالفشل، وانجزت الانتخابات النيابية والحمد لله".
 
وختم: "أيها اللبنانيون، فلتكن اذا هذه الانتخابات نهاية الانحدار وبداية الاعتبار والسير في طريق معاكس يعطي الامل للبنانيين المتعبين والخائفين على المستقبل والقادم من الايام، بعد ان انتزعت ارواحهم وأحلامهم وسرق نتاج حصاد أعمارهم، وسلبت من عيونهم أن تغفو وتستيقظ على حلم جميل. فليكن من الماضي العبرة ولننطلق في الغد لإنجاز استحقاق آخر بعقد العزم على الإصلاح، وأول الإصلاح الالتزام بالمواثيق الوطنية، وانتخاب رئيس للمجلس النيابي دون مكابرة حسب هذا الميثاق وإلا فأي اصلاح بتجاوزها وتجاوز الأعراف الدستورية تذهبون بالبلاد الى الخراب لا سمح الله. {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}. صدق الله العلي العظيم".

                       ============ ن.م

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب