الأخبار : إسرائيل: تهوّر الرياض يضرّ بمواجهتنا مع حزب الله

وطنية - كتبت صحيفة " الأخبار " تقول : لا تُخفي إسرائيل موقع الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان ودورها في استراتيجيّتها لتحقيق أهدافها في مواجهة ‏المقاومة، إذ إنها تدرك أن أيّ قوة داخلية لا يمكنها القضاء على المقاومة ولا على نزع أسلحتها، وأن أي محاولة ‏لتكرار تجربة شنّ حرب عسكرية، كما في عام 2006، لن تعجز عن تحقيق أهدافها فحسب، بل ستكبّد العدو أثماناً لا ‏يطيقها، إن لم تتدحرج المواجهة إلى ما هو أخطر على أمنه القومي. لذلك كانت "إسرائيل"، ولا تزال، تراهن على ‏إغراق المقاومة في مستنقع فتنوي داخلي، و/ أو إنتاج توازن داخلي يشلّ حركة المقاومة في المبادرة والردّ، وتأليب ‏جمهور المقاومة عليها على أمل أن تصبح مجرد تنظيم معزول شعبياً وسياسياً‎.‎
 ‎ 
لم تُجدِّد "إسرائيل" رهاناتها على الداخل اللبناني (في أعقاب فشل رهاناتها على تداعيات الاحتلال الأميركي للعراق ‏عام 2003، وانسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005) إلا بعد فشل خياراتها العسكرية المباشرة وغير المباشرة ‏‏(في الساحة السورية)، وبعد معادلة الردع التي أرساها حزب الله لكبح مؤسسة القرار السياسي والأمني في تل أبيب ‏عن التورّط في مغامرات عسكرية كبرى. وتكشف دينامية التطورات أنه كلما مرَّ الوقت كبُرت مفاعيل تعاظم قدرات ‏حزب الله لدى الجهات المهنية والسياسية في كيان العدو. فرغم ما يواجهه لبنان من أزمات غير مسبوقة، كتبت صحيفة ‏‏"معاريف" أن "أحداً في الجيش الإسرائيلي غير مستعد ليردّد بصوت عالٍ مقولة إن الصواريخ ستصدأ"، في إشارة ‏إلى تصريح قديم لرئيس أركان الجيش السابق موشيه يعلون أشار إلى أن حزب الله لن يستخدم صواريخه ضد ‏‏"إسرائيل"، وهي المقولة التي سقطت في حرب 2006. ويعكس هذا التردّد إدراك جيش العدو أن حزب الله سيفعّل ‏قدراته في مواجهة أي اعتداءات إسرائيلية، أياً كانت الظروف، وهو ما حال حتى الآن دون مغامرات عسكرية من ‏جانب العدو‎. 
الربط بين إدارة الأزمة الاقتصادية في لبنان بأدواتها الدولية والمحلية والإقليمية (السعودية) وبين استراتيجية إسرائيل ‏في مواجهة حزب الله يستند إلى وقائع وإلى سياق التطورات. وهو ما يعبّر عنه جيش العدو ومؤسسات التقدير ‏والقيادات الرسمية، ويرون فيه فرصة لـ"سحب البساط من تحت حزب الله". وفي هذا الإطار، كشفت "معاريف" ‏‏(19/11/2021) أن المعادلة القائمة مع حزب الله تُذكر الجيش الإسرائيلي بـ "الحرب الباردة" بين الاتحاد السوفياتي ‏والولايات المتحدة، والرهان هو أن ما عجزوا عن تحقيقه بالقوة العسكرية في مواجهة حزب الله، يسعون إلى تحقيقه ‏من البوابة الاقتصادية، تماماً كما انتهت الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفياتي "من دون أن تطلق (الولايات ‏المتحدة) رصاصة واحدة". علماً أن البعد الإسرائيلي في الإدارة الأميركية و(بعض) المحلية للأزمة الاقتصادية - ‏المالية لا يبرّئ منظومة الفساد في لبنان، بعناوينها السياسية والاقتصادية والمالية والإعلامية، بل يعمّق إدانتها‎.‎
‎ 
وفي ترجمة لهذه الرؤية والرهانات، يصبح مفهوماً تجديد العدو مطالبه، خلال زيارة السفيرة الأميركية في الأمم ‏المتحدة ليندا توماس غرينفيلد لإسرائيل الأسبوع الماضي، باشتراط منح أي مساعدة أميركية للبنان بتنفيذ عدة بنود ‏تتصل بحزب الله: "إبعاد عناصره عن الحدود؛ تعهّد بأن يعمل الجيش اللبناني على جعل صنع المنظمة للصواريخ ‏الدقيقة أمراً صعباً، ومنع تهريب وسائل قتالية إلى لبنان". وليست هذه مطالب مستجدّة، بل كانت هذه الشروط وما ‏شابهها حاضرة في كل مراحل الإدارة الأميركية للأزمة في لبنان. ويأتي الموقف الإسرائيلي المكرّر ترجمة ‏لاستراتيجيته في مواجهة المقاومة. أضف إلى أنه بعد التطورات التي شهدها لبنان بعد تشكيل الحكومة اللبنانية، ‏والخطوات المرتقبة في سياق معالجة الأزمة الاقتصادية والمالية، وبعد بروز تساؤلات حول آفاق الاستراتيجية ‏الأميركية، كان من الطبيعي أن تُشدِّد تل أبيب على ثوابتها في هذا المجال‎. 
‎ 
منشأ الرهان الإسرائيلي‎ 
أبرز من أوضح الربط بين تقديم المساعدات الغربية للبنان وبين الخضوع للمطالب الإسرائيلية كان رئيس مجلس ‏الأمن الإسرائيلي السابق اللواء غيورا ايلاند ("يديعوت أحرونوت"، 20/7/2021)، عندما طلب أن تُقنع إسرائيل ‏الولايات المتحدة بالدفع بالأزمة في لبنان إلى حدّ وضعه أمام خيارين: المجاعة وفقدان فرصة التعافي، أو أن ‏تتخلى المقاومة عن قدراتها النوعية والدقيقة، مع وضع آلية برقابة صارمة على حزب الله ليفي بهذا الالتزام، ‏إضافة إلى توقيع لبنان اتفاقاً مع إسرائيل على ترسيم الحدود البحرية وفق اقتراح التسوية الأميركية‎. 
نبع الرهان الإسرائيلي على إزالة العقبة التي تشكّلها المقاومة في لبنان أمام أطماعه واعتداءاته، كما أوضح ايلاند ‏أيضاً، من أن حزب الله "قبل كل شيء حركة سياسية شعبية تستمدّ مكانتها من الشرعية التي يتلقاها كقوة مدافعة ‏عن لبنان ضد إسرائيل". لكنّ مصدر هذه القوة هو أيضاً "نقطة ضعفها". وانطلاقاً من هذا المفهوم، فإن الرهان ‏الإسرائيلي بأن تواكب الربطَ بين تخلي لبنان عن المقاومة وبين المساعدات الاقتصادية، كما يتم تنفيذه، حملة ‏إعلامية وسياسية تقدم حزب الله عثرة أمام المساعدات التي تنقذ لبنان، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى إنتاج ‏ضغط داخلي عليه وتحديداً من داخل بيئة المقاومة، بموازاة الترويج لمقولة إن خضوع لبنان للاقتراح الأميركي ‏في تسوية الحدود البحرية "سيعطي لبنان فرصة هائلة لاستخراج الغاز وحل أزمته" المتفاقمة. وختم ايلاند ‏مطالعته المكتوبة بالتأكيد على أن طريقة "مواجهة حزب الله لا يجب أن تكون عسكرية فقط، فتشغيل الرافعات ‏السياسية أكثر فعّالية وأقل خطورة"، في إشارة إلى أن تنفيذ هذا الخيار أقل خطورة على إسرائيل كونه لا ينطوي ‏على مواجهة مكلفة لها، وأكثر فعالية لأنه يحاكي نقاط الضعف التي يعاني منها لبنان، وبأدوات عربية وأميركية ‏ولبنانية‎. 
مع ذلك، يكشف الأداء والتقديرات الإسرائيلية عن رؤية حاضرة لدى الجهات المختصّة بأن الاستراتيجية المعتمدة ‏ضد حزب الله محفوفة أيضاً بالمخاطر في أكثر من اتجاه، من ضمنها داخلي لبناني، وذلك بأن ينجح حزب الله في ‏تحويل التهديد إلى فرصة (تعزّز هذا التقدير بعد إحضار سفن المازوت من إيران التي شكّلت مؤشراً قوياً إلى ‏إمكانية هذا السيناريو). لذلك تتم إدارة هذا المسار بتشاور دائم بينها وبين الدول الغربية، وبحذر وخطة متكاملة. ‏وضمن هذا الإطار، أتى تحذير معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي من التهوّر السعودي في إدارة المواجهة ضد ‏المقاومة في لبنان، بعدما لجأت الرياض إلى "آخر رافعة ضغط لديها في أعقاب التآكل الذي شهده نفوذها ‏السياسي"، بهدف "إحداث تغيير في المنظومة الداخلية في لبنان، وإضعاف حزب الله". ونبّه المعهد إلى أنه في ‏ضوء "ضعف معارضي حزب الله في لبنان، يمكن أن يؤدي استمرار الأزمة إلى نتائج عكسية"، وذلك "يمكن أن ‏يُبعد لبنان عن الدول البراغماتية ويرسّخ نفوذ حزب الله وإيران في لبنان (...) ما يتعارض مع مصالح إسرائيل ‏والدول الغربية". والبديل الذي يقدمه المعهد، عن الخيار السعودي، "الشروع في تحرّك مشترك بين الولايات ‏المتحدة وفرنسا وأطراف عربية، لصوغ أساليب عمل يمكن أن تُضعف حزب الله من دون أن تضر بالدولة ‏اللبنانية ومعارضي الحزب في الداخل‎". 
من غير المتوقع أن يتخلى أعداء المقاومة عن مشاريعهم التي تهدف إلى تجريد لبنان من عناصر قوته ومحاولة ‏إخضاعه للشروط الإسرائيلية التي ستجعله مستباحاً أمام الأطماع والاعتداءات الإسرائيلية وبهدف إدخاله في ‏المحور الإسرائيلي - الأميركي تحت عنوان التطبيع. لذلك ليس أمام الشعب اللبناني والمقاومة إلا الصمود ‏والانتصار وتحويل المخاطر إلى فرص تتمثل في بلورة خيارات تحرّر لبنان من الارتهان للاحتكار الداخلي ‏والتبعية لمن ينظرون إلى لبنان بعيون المصالح الإسرائيلية‎.‎

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب