الأمن الغذائي في لبنان في ظل أزمة الغذاء العالمية

تحقيق د. طوني وهبي

وطنية -  لبنان في قلب الأزمة الغذائية العالمية الخطيرة ونظرا إلى تردي الوضع الاقتصادي والانهيار المالي الذي أدى إلى تراجع قدرة البلد على استيراد المواد الغذائية الأساسية التي تضمن الأمن الغذائي للشعب اللبناني، وفي ظل غياب أي حلول واقعية وقريبة الأجل للأزمة المالية والأقتصادية، لذلك، أصبح لبنان على شفير مجاعة كبرى. فقد كشف مسؤولون في "برنامج الأغذية العالمية" أن لبنان "يعيش انعداماً في الأمن الغذائي وهو بات يصنف من ضمن البلدان التي هي على شفير المجاعة". والأخطر هو أن 20 % من الشعب اللبناني يعيشون على المساعدات الغذائية التي تقدمها برامج دعم الأسر الفقيرة وبأن 2.3 مليون نسمة في لبنان، أي نحو 45% من الشعب اللبناني، لا يستطيعون العيش من دون المساعدات الغذائية المقدمة من مختلف البرامج العاملة في لبنان. فقد صنف لبنان من ضمن "البؤر الساخنة" المهددة بالمجاعة من قبل منظمة الأغذية والزراعة الدولية في تقريرها الأخير حيث من المتوقع تفاقم أزمة الغذاء في السنوات القادمة مما يهدد الشعب اللبناني بالمجاعة. ولمناقشة هذا الموضوع الشديد الأهمية في حياة اللبنانيين، كان لـ "الوكالة الوطنية للاعلام" لقاء مع الباحث والخبير الأكاديمي ومنسق الماستر في الجامعة اللبنانية البروفسور الدكتور حسان يوسف مخلوف الذي أفاض لنا في شرح هذا الموضوع بكل أبعاده.

وقال: "يتعرض العالم اليوم لأزمة غذاء واضحة قد تزداد حدتها سريعاً في الأشهر المقبلة بسبب تسارع الأزمات العالمية وتأثيرها على العملية الإنتاجية حول العالم. فبعد تراجع الأمدادات الغذائية وأرتفاع أسعار السلع بسبب جائحة كورونا التي أدت إلى توقف الإنتاج لمدة تخطت السنتين بين 2020 و 2022، وبعد التوترات الجيوسياسية حول العالم وخاصة الحرب الروسية الأوكرانيا التي ادّت إلى توقف أمدادات الحبوب والزيت ومنتجات الحليب من كل من أوكرانيا وروسيا، وهما من أكبر الدول المصدرة للمنتجات الزراعية وخاصة الحبوب، سيطر هاجس المجاعة على مختلف شعوب الكرة الأرضية حيث بدأت الدول كافة بأتخاذ الأجراءات الكفيلة بأحتواء المضاعفات الخطيرة لهذه الأزمة في محاولة لإيجاد حلول تمنع المجاعة عن شعوبها. ويزداد الوضع تعقيداً مع أزمة الطاقة الناشئة بسبب الحصار الذي فرضته الدول الغربية على أستيراد النفط والغاز من روسيا مما أدى إلى تراجع الإنتاج في الكثير من دول العالم، حيث توقف الكثير من المصانع عن العمل وخاصة مصانع الأسمدة الزراعية وتراجع الإنتاج الزراعي، بشكل كبير، نظراً لارتباط العمليات الزراعية والصناعية-التحويلية بالطاقة التي أصبحت غير متوفرة وأن توفرت، فهي بأسعار مرتفعة جداً، مما سينعكس أرتفاعاً على أسعار الكلفة، وبالتالي، ارتفاعا في كلفة الفاتورة الغذائية. كما أن الصراع يدور حالياً في المناطق التي تنتج حوالي 50 % من الأسمدة الآزوتية التي هي من أساسيات عملية الإنتاج الزراعي حول العالم. وقد أدى ذلك إلى توقف أنتاج الأسمدة في أوكرانيا وفي المناطق الغربية من روسيا وهذا سيكون له أنعكاسات خطيرة على الأنتاج الزراعي حول العالم. كما أن مصانع الأسمدة في أوروبا الغربية قد توقفت عن الإنتاج بسبب الشح الحاصل في الطاقة وهذا يعني أن أسعار الأسمدة سترتفع، بشكل كبير، خلال الفترة القادمة وستكون النتيجة ارتفاعاً كبيراً بأسعار المنتجات الزراعية وخاصة المحاصيل الأساسية التي تدخل في صلب الأمن الغذائي".

أضاف: "تزامنت هذه الأزمات المتعددة مع الجفاف الذي أصاب أوروبا وأمريكا الشمالية والصين وأستراليا والأرجنتين وبعض مناطق روسيا هذه السنة والناتج عن تزايد الأحتباس الحراري الذي يضرب كوكب الأرض بسبب كثرة أنبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن النشاطات البشرية المختلفة. هذا الأمر أدى أيضاً إلى تراجع غير مسبوق في كمية المحاصيل لموسم 2022 في المناطق المذكورة أعلاه وهي تشكل أهم الدول المصدرة للحبوب. هذا الأمر ينذر بكارثة كبيرة خاصة في الدول الفقيرة التي كانت تعتاش على المساعدات العينية التي كانت تقدمها الدول المنتجة للدول الفقيرة. هذا ينطبق، بشكل كبير، على كل من قارة أفريقيا وعلى عدد من الدول العربية التي تحصل على مساعدات من الحبوب لتأمين الغذاء لشعوبها كاليمن والصومال والسودان وعلى الدول التي تعتمد على استيراد الحبوب كمصر والجزائر والعراق ولبنان ودول الخليج".

ورأى أن "توقف الامدادات العالمية من الحبوب والزيوت ومنتجات اللحوم والألبان هو أمر وارد في أي لحظة نظرا للتوترات الجيوسياسية المتفرقة، وللجفاف الحاصل في الكثير من الأقاليم حول العالم وأيضاً بسبب سوء إدارة الموارد الطبيعية المتعلقة بعملية الأنتاج الزراعي كالتربة والمياه وذلك بسبب تطبيق نظم زراعية غير مستدامة خلال العقود الماضية أدت إلى تدهور حال الترب الزراعية حول العالم حيث أصبحت المساحات المزروعة لا تكفي لأطعام سكان الأرض البالغ عددهم 8 مليارات نسمة والمتوقع وصولهم إلى 9 مليارات في حلول سنة 2050".

 إضاءة على الأمن الغذائي في لبنان

 تعريف الأمن الغذائي

تعرّف ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻷﻏﺬﻳﺔ واﻟﺰراﻋﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ (FAO) الأمن الغذائي بأنه "ﺗﻮﻓﻴﺮ اﻟﻐﺬاء ﻟﺠﻤﻴﻊ أﻓﺮاد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺎﻟﻜﻤﻴﺔ واﻟﻨﻮﻋﻴﺔ اﻟﻼزﻣﺘﻴﻦ ﻟﻠﻮﻓﺎء ﺑﺎﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻬﻢ ﺑﺼﻮرة ﻣﺴﺘﻤﺮة ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻴﺎة ﺻﺤﻴﺔ وﻧﺸﻄﺔ". وإذا ما طبق هذا القول على الدول فهذا يعني توفير كميات الغذاء المطلوبة لشعب الدولة بالكمية والنوعية اللازمتين من تأمين حياة كريمة وصحية لكافة أفراد الشعب.

 

 العناصر التي تدخل في توفير الغذاء للدول والشعوب

بما أننا نتحدث عن الغذاء وعن الأمن الغذائي فهذا يعني أن توفير ما يلزم من أغذية للشعوب مرتبط بالعملية الإنتاجية وهذه الأخيرة على علاقة وثيقة مع الموارد الطبيعية وأهمها هنا التربة والمياه. فلا يمكن بأن يكون هناك عملية إنتاج للأغذية دون زراعة المحاصيل وتحويلها إلى غذاء وهذا يفترض وجود العناصر التي تتطلبها العملية الإنتاجية وعلى رأسها التربة الصالحة للزراعة، مياه الري، البذور، الأسمدة والمبيدات، التقنيات والمكننة الزراعية والرساميل اللازمة للأستثمار في القطاع الزراعي. هناك عدد محدود من الدول التي تملك كافة العناصر المذكورة وهي دول ذات أكتفاء ذاتي وتتمتع بمستوى عالي من الأمن الغذائي. ولكن هذا الأمر لا ينطبق على الكثير من الدول الأخرى وخاصة الدول الفقيرة وتلك التي لا تملك الموارد الطبيعية لكي تستطيع إنتاج الكميات اللازمة من الغذاء لتأمين حاجات شعوبها. في الظروف الطبيعية، تلجأ الدول التي لا تملك الموارد الطبيعية، ونعني التربة والمياه، من أجل أنتاج غذائها إلى شراء المواد الغذائية من الدول المنتجة في حال كانت تملك المال اللازم لذلك وهذا حال دول الخليج. أما إذا كانت هذه الدول فقيرة، كبعض الدول الأفريقية، فهي تؤمّن، قدر المستطاع، الغذاء لشعوبها من خلال المساعدات التي تقدمها الدول الكبيرة المنتجة أو البرامج الدولية التي تدعمها، في أغلب الأحيان، الدول الغربية التي تعتبر من الدول الغنية وذات أمكانات إنتاجية كبيرة.

عاش العالم على هذه الحال لعشرات السنين. وعاش عدد كبير من شعوب الكرة الأرضية على المساعدات الغذائية. إلا أن هذا "الشبه أستقرار الغذائي" يتوقف عندما يتعرض العالم للأزمات التي تؤثر على العملية الإنتاجية خاصة في الدول الكبيرة المنتجة وهذا ما هو حاصل اليوم. الحرب بين روسيا وأوكرانيا أدت إلى تراجع إنتاج المحاصيل حوالي 25 % في اوكرانيا وحدها وهذا ما أثر، وسيأثر على أمدادات الغذاء حول العالم في السنة القادمة وذلك بسبب الدور الكبير التي تلعبه هذه الدول على صعيد الصادرات الزراعية حول العالم وخاصة فيما يتعلق بمحاصيل القمح، الذرة، الشعير، دوار الشمس...

كما أن الحرب التي تدور في غرب روسيا أدت إلى تراجع الإنتاج الزراعي في هذه المناطق الروسية الزراعية بأمتياز والتي تلعب دوراً مهماً في الأستقرار الغذائي حول العالم.

بسبب الأزمات المتعددة، الحروب، الطاقة، الجفاف...، فإن الدول الكبرى لم تعد قادرة على تأمين الغذاء لشعوبها، وبالتالي هي ستضطر بأن تقطع المساعدات الغذائية عن الدول الفقيرة، كما أن الكميات المطروحة في الأسواق سوف لن تعد كافية لتأمين الأمدادات للدول التي كانت، بواسطة المال، تضمن أمنها الغذائي عبر شراء كل ما تريد من السوق العالمي. هذا الوضع، سيتفاقم في الأشهر والسنوات القادمة لأنه لن يكون هناك أي حلول سياسية لهذه الصراعات القائمة حول العالم كون صوت العقل قد غيّب تماماً وأن العالم سيسير من أزمة إلى أزمة. كما أن الأحتباس الحراري والجفاف وتردي حال الترب الزراعية في الكثير من الأقاليم سيجعل من عملية تأمين الغذاء لشعوب الكرة الأرضية مسألة معقدة جداً ونحن نتوقع بأن أيام الرخاء قد ولت والسنوات العجاف هي على الأبواب وعلينا التحضير بقوة لمواجهتها لكي تبقى شعوبنا على قيد الحياة حتى تستقر الأمور ويعود ويسيطر صوت العقل وتعود الشعوب إلى التلاقي والحوار أو ربما تتحقق النبوءات حول المخاض التي ستعيشه الأرض وصولا إلى يوم القيامة...

إن أول الدول التي ستعاني من هذه الأزمات هي الدول الفقيرة طبعاً ولكن أيضاً الدول التي تعيش في أقاليم صحراوية كالدول العربية التي ستكون الضحية الأولى لأي أزمة غذاء عالمية سياسية كانت أو مناخية.

لبنان: الجوع قادم 

لبنان ليس بمنأى عن هذه الأزمة الغذائية العالمية الخطيرة. فنظراً لتردي الوضع الأقتصادي والأنهيار المالي والذي أدّى إلى تراجع  قدرة البلد على أستيراد المواد الغذائية الأساسية التي تضمن الأمن الغذائي للشعب اللبناني، وفي ظل غياب أي حلول واقعية وقريبة الأجل للأزمة المالية والأقتصادية، لذلك، أصبح لبنان على شفير مجاعة كبرى. فقد كشف مسؤولين في "برنامج الأغذية العالمية" أن لبنان "يعيش انعداماً في الأمن الغذائي وهو بات يصنف من ضمن البلدان التي هي على شفير المجاعة". والأخطر هو أن 20 % من الشعب اللبناني يعيشون على المساعدات الغذائية التي تقدمها برامج دعم الأسر الفقيرة وبأن هنام حوالي 2.3 مليون شخص في لبنان، أي حوالي 45% من الشعب اللبناني، لا يستطيعون العيش دون المساعدات الغذائية المقدمة من مختلف البرامج العاملة في لبنان. فقد صُنف لبنان من ضمن "البؤر الساخنة" المهددة بالمجاعة من قبل منظمة الأغذية والزراعة الدولية في تقريرها الأخير حيث من المتوقع تفاقم أزمة الغذاء في السنوات القادمة مما يهدد الشعب اللبناني بالمجاعة.

وفي قراءة واقعية لهذه الأزمات، أصبح من الضروري جداً أعداد خطة مواجهة وطنية تهدف إلى منع المجاعة عن اللبنانيين وتحقيق نهضة زراعية شاملة في لبنان بحلول 2033 من خلال أجراءات جذرية تسعى إلى تحقيق الأهداف.

  1. خطة مواجهة المجاعة في لبنان
    1. المعطيات والأهداف

تتوزع الأراضي الزراعة في لبنان على الشكل التالي:

مجمل مساحة الأراضي القابلة للزراعة     658000 هكتار

المساحة المستثمرة حاليا    200000 هكتار

المساحة المروية       120000 هكتار

المساحة الغير مروية المستثمرة سنويا       28000 هكتار

الأراضي المتروكة بور    60000 هكتار

أراضي صالحة للزراعة ولكنها غير مستثمرة    50000 هكتار

 

على خطة مواجهة المجاعة وتحصين الأمن الغذائي العمل على رفع المساحة المستثمرة سنويا في المرحلة الأولى (5 سنوات) إلى مساحة 300 ألف هكتار وذلك بهدف إنتاج المحاصيل التي تدخل في تغطية الحاجات الغذائية الملحة للشعب اللبناني.

في الجزء الأول من المرحلة الأولى أي خلال سنتين، ترفع المساحة المزروعة لتغطي كامل ال 200 ألف هكتار ومن ثم نصل إلى 300 ألف هكتار في الجزء الثاني من المرحلة الأولى أي ثلاث سنوات.

في ما بعد، يتوجب العمل على توسيع الأستثمار الزراعي ليشمل القسم الأكبر من المساحة الزراعية في لبنان والوصول إلى 400 ألف هكتار بعد عشر سنوات. سيتم تحقيق هذا الهدف من خلال عمليات الأستصلاح وتنفيذ مشاريع الري وحسن إدارة الموارد المائية مع التشديد على أهمية أنشاء البرك المائية لتجميع مياه الأمطار والثلوج في فصل الشتاء كونها اثبتت نجاعتها في الكثير من المناطق اللبنانية.

على الخطة أيضاً الأخذ بعين الأعتبار، في عملية توزيع الزراعات على المناطق، المعطيات البيئية والموارد الطبيعية المتاحة لكي يتم أختيار ما يتناسب مع كل منطقة ومع الخطة الإنتاجية العامة وخاصة فيما تعلق، بالتربة، بالدورة الإنتاجية في الأراضي المروية وفي الأراضي البعلية التي تزرع دون ري حيث يتم أختيار المحاصيل، البذور والتقنيات التي تسمح بالحصول على إنتاج جيد في هذه الأراضي.

لتحقيق أهداف خطة زراعة 2033 فيما يتعلق بزيادة المساحة المزروعة إلى 400 ألف هكتار خلال عشر سنوات، يجب العمل أستصلاح الأراضي الغير مكلفة في المرحلة الأولى خلال خطة عشرية تقوم على أستصلاح 10000 هكتار سنوياً. هذا الأمر يشكل تحد كبير على كافة المستويات إلا أن الأمر يستحق العناء نظراً لإنعكاساته الإيجابية على القطاع الزراعي وعلى الأقتصاد الوطني.

إن أستصلاح مساحة 100 ألف هكتار يكلف حوالي 500 مليون دولار على عشر سنوات. من الممكن بأن تزرع هذه الأراضي المستصلحة بعدد متنوع من الزراعات وخاصة الحبوب والبقوليات في المرحلة الأولى لتأمين انتاج ما يحتاجه البلد لمنع المجاعة ولكن فيما بعد يجب تخصيصها للزراعات الأستراتيجية المعدة للتصنيع والتصدير كالفستق الحلبي Pistacia vera  والجوجوبا Simmondsia chinensis  والسماق Rhus coriara والأفوكا Persia americana وبعض الزراعات التحويلية الأخرى فإن هذه المساحة قد تدخل أكثر من 2 مليار دولار سنويا والأصناف الثلاثة الأولى لا تحتاج إلى الكثير من مياه الري وبالتالي فإن إعتمادها لا يؤثر على الزراعات الأخرى من حيث الضغط على مصادر مياه الري.

تبلغ قيمة الإنتاج الزراعي حالياً 2.1 مليار دولار وقيمة الصادرات 700 مليون دولار. وهذا ما أصبح يشكل حوالي 16 % من الناتج القومي المقدر حالياً ب 15 مليار دولار. ربما تشكل الأزمة المالية والأقتصادية حافزاً للأصلاح الأقتصادي حيث سيتم الأستثمار في القطاعات المنتجة كالزراعة والصناعة التحويلية. وتهدف الخطة لرفع قيمة الإنتاج الزراعي إلى 5 مليار دولار في المرحلة الأولى (2028) وإلى 8 مليار دولار في المرحلة الثانية اي بعد عشر سنوات (2033) وهذا ما سيحافظ على نسبة ال 16 % على أساس أقتصاد مقدر ب 50 مليار في سنة 2033 في حال تم العمل على تعافي الأقتصاد اللبناني بشكل سريع. وتتطلع الخطة إلى رفع الصادرات الزراعية وصادرات الصناعية-التحويلية من الزراعة إلى 4 مليار دولار سنوياً وهذا ما سيخفّض، بشكل كبير، العجز الحاصل في الميزان التجاري للبنان.

 

لتحقيق هذه الأهداف يجب العمل على ما يلي:

- رفع المساحة المستثمرة الى 300 ألف هكتار خلال خمس سنوات ومن ثم إلى 400 ألف هكتار خلال 10 سنوات وهذا يؤدي إلى زيادة كمية الإنتاج  بحوالي 100 % مع أختيار الزراعات التي تهدف إلى تأمين الأمن الغذائي في حالات الضرورة؛

 -تنفيذ مشاريع ري ترتكز على أنشاء عدد كبير من البرك المائية في الكثير من المناطق الجبلية وربطها بقنوات لأستجرار مياه الري نحو الأراضي الزراعية؛

- رفع الإنتاجية في المساحة عبر برنامج وطني لإعادة تأهيل التربة لإستعادة خصوبتها وهذا يرفع الإنتاج بحده الأدنى حوالي 25 % أيضاً؛

- تحسين نوعية الإنتاج من خلال تطبيق نظم الزراعة المجددة من خلال التقنيات الحيوية وهي تقنيات مصنعة في لبنان ولا تستوجب أي مستوردات لتصنيعها. هذا الأمر يجعل من المنتجات اللبنانية قابلة للتصدير مما يزيد من قيمتها المادية بحدود 25 %؛

- تطوير عدد من المدخلات الزراعية المحلية التي تكون أسعارها أرخص من المواد المستوردة وقد استطاعت بعض المختبرات من تطوير تقنيات عالية وفعّالة في هذا المجال يجب الأستفادة منها بشكل واسع؛

- تطوير المكننة الزراعية وتعميمها وخاصة بما يتعلق بجني المحاصيل كالزيتون والبطاطا وذلك من أجل توفير اليد العاملة وبالتالي المساهمة في تخفيض كلفة الإنتاج؛

- تطوير المعرفة لدى المزارعين من خلال برامج تثقيفية حقيقة؛

- الأستثمار في البيوتكنولجيا الزراعية للتطوير إنتاج بعض المنتجات الغالية الثمن كالزعفران والجوجوبا والكمأ الأسود والأبيض وأختيار زراعات تحويلية تدخل في التصنيع الغذائي والحيوي لرفع قيمة الإنتاج الزراعي بشكل عام؛

- تطوير المختبرات والمصالح البحثية العامة والخاصة التي تعمل في مجال إنتاج أصول الغراس التي تتوافق مع الترب الزراعية والمناخ في لبنان وأنتاج البذور والدرنيات وخاصة البطاطا وذلك سعياً لتأمين الجزء الأكبر من البذور المؤصلة  للمحاصيل التي تزرع في لبنان؛

- تطوير المختبرات ومصالح الأبحاث التي تتعلق بالثروة الحيوانية وتربية الدواجن والنحل للمساهمة في تطوير هذا القطاع بما يتوافق مع حاجة البلد والشروط البيئية التي تتحكم بوجود المراعي الطبيعية والموارد التي تدخل في عملية إنتاج الأعلاف؛

- سن وتطوير القوانين المتعلقة بالحيازات الزراعية والأستثمار والتمويل الزراعي والبحث العلمي لخدمة أهداف الخطة؛

- تشريع قوانين تحفّز الاستثمار الزراعي وخاصة لرأس المال الأجنبي الذي نحن بحاجة اليه في ظل الظروف الحالية لإطلاق القطاعات الإنتاجية وعلى رأسها الزراعة والصناعة التحويلية؛

- تشريع القوانين التي تلغي الرسوم على حصر الارث ونقل الملكية وإزالة الشيوع والفرز والضم في الأراضي الزراعية وذلك لمدة عشر سنوات من أجل إعادة هيكلة الحيازات الزراعية بهدف تسهيل وتحفيز الاستثمار الزراعي على أنواعه؛

- تشجيع المشرّعين وخاصة الذين يشكلون اللجان المولجة دراسة وتشريع القوانين المتعلقة بالزراعة والبيئة وبالموارد الطبيعية على اتباع دورات علمية-تثقيفية متخصصة وذلك بهدف مساعدتهم على سن القوانين المناسبة من أجل تطوير القطاع الزراعي بشكل ناجح أقتصادياً ومتوافق مع المعايير البيئية التي تهدف إلى بناء مجتمع زراعي مستدام ومساهم أساسي في بناء الاقتصاد الوطني.

- وضع وتنفيذ سياسات فعّالة منسقة لمكافحة الفساد ولتعزيز الحوكمة الرشيدة والشفافية  وتجسيد مبادئ سيادة القانون وحسن إدارة الشؤون والممتلكات العامة والنزاهة والشـفافية والمساءلة وذلك لتشجيع رؤوس الأموال الوطنية الأجنبية للاستثمار في القطاع الزراعي اللبناني.

إن التطبيق الصحيح لهذه المقترحات والأفكار هو الضمانة الأكيدة لنجاح خطة تطوير القطاع الزراعي وتحصين الأمن الغذائي للشعب اللبناني في السنوات الصعبة المقبلة ولرفع قيمة الإنتاج الزراعي اللبناني إلى أكثر من 8 مليارات دولار خلال عشر سنوات.

 

توزيع الزراعات الأساسية لتحصين الأمن الغذائي في لبنان

من المتوقع بأن تطول الأزمة المالية في لبنان ما بين 10 و 15 سنة وربما قد تصل إلى أكثر من ذلك في حال تعثر الحلول. كما تبين من جائحة كورونا ومن الحرب الروسية-الأوكرانية بأن الأمدادات الغذائية العالمية قد تتوقف فجأة دون سابق أنذار مما سيؤدي إلى حدوث مجاعات كبيرة حول العالم وعلى الدول إعادة النظر في سياساتها للأمن الغذائي. من هنا فإن الخطة الزراعية الوطنية لمواجهة المجاعة تقضي بتركيز الإنتاج الزراعي على المحاصيل الضرورية لتخطى الأزمة وأهمال الزراعات التي تعتبر من الكماليات ويجب أن تسعى لتحقيق هدف الأكتفاء الذاتي من هذه المحاصيل التي تضمن تأمين الغذاء للشعب اللبناني بأسعار مقبولة وبنوعية جيدة. إن أسس هذه الخطة  يمكن أن تختصر على الشكل التالي:

 

القمح

تبلغ حاجة لبنان من القمح حوالي 450 الف طن منها 350 طن لصناعة الخبز. يستورد لبنان حوالي 80% من حاجته للقمح من أوكرانيا وروسيا وبالتالي فإن توقف صادرات الحبوب من هذه الدول سيكون له أنعكاسات سلبية بالغة الخطورة على الأمن الغذائي للشعب اللبناني. بلغ إنتاج لبنان من القمح في موسم 2022 نحو 45 الف طن أي أن هناك عجزاً ضخما في هذا المجال. ففي حال تعثر الأستيراد فعلى القطاع الزراعي تأمين انتاج كمية من القمح تكون في الحد الأدنى بحدود 300 الف طن على أساس 70 كلغ للفرد سنويا (طحين وبرغل ومعكرونة) وهذا يعني زراعة القمح على مساحة مقدرة ب 80 الف هكتار. هل هذا الأمر ممكن في لبنان؟ طبعاً وبكل تأكيد في حال وضعت خطة أستراتيجية تهدف إلى تحول القطاع الزراعي إلى إنتاج الضروريات الغذائية لمنع المجاعة ولحماية اللبنانيين من الموت جوعاً وخاصة بأن هناك الكثير من الأراضي المهملة والتي لا تسثمر وهي بالأغلب أراضي مروية ويمكن بالتالي تحويلها نحو زراعة الحبوب.

من المعروف بأن القمح الطري المزروع في لبنان لإنتاج الطحين يصاب بمرض الصدأ ويحتاج إلى المعالجة ويمكن أن لا تتوفر المواد المستوردة لهذه المعالجة. لكن بواسطة التكنولوجيا الحيوية اللبنانية LBM تمكنا من تركيب منتجات حيوية تستطيع معالجة هذه المشكلة وتأمين إنتاج جيد من القمح.

كما يمكن للبنان انتاج كميات كبيرة من القمح القاسي الذي يدخل في صناعة البرغل والمعكرونة وهو متأقلم، بشكل جيد، مع الشروط البيئية في البقاع ولا يصاب بأمراض الصدأ. يمكن للبنان بأن يدخل في برنامج تبديل بين القمح القاسي والقمح الطري مع الدول الأخرى التي تشتري القمح القاسي الذي يتمتع بقيمة أعلى من القمح الطري والذي يزرع من أجل الصناعات الغذائية. 

 

البقول الجافة

ينتج لبنان نحو 40 % من حاجاته من البقول الجافة وهي تزرع على مساحة 10 آلاف هكتار. علينا تخصيص ما مساحته 25 الف هكتار لإنتاج الحمص، العدس، الفول، الفاصوليا والبازيلاء والتي تؤمن غذاءً غنياً بالبروتيين ومن الممكن بأن تحل مكان اللحوم على أنواعها والتي سيتعذر إنتاجها بكميات كافية. أن تنوع التربة والمناخ في لبنان يمنحنا مرونة خاصة في أختيار أنواع البقول وتوزيعها حسب المناطق للحصول على أفضل النتائج وتأمين الكميات المطلوبة. ونشير أيضاً إلى ميزة خاصة لهذه الزراعات حيث أنها من الممكن أن تنتج في الأراضي الغير مروية والتي تتلقى أكثر من 500 ملم أمطار. كما أن هذه المحاصيل تنتج، إضافة إلى حبوبها، كمية من الكسبة الغنية بالبروتيين والتي تستعمل لتغذية الحيوان.

 

الزراعات الزيتية 

ينتج لبنان نحو 22 ألف طن من زيت الزيتون وهي تكفي للإستهلاك المحلي ولكن هناك حاجة لإنتاج كمية من الزيوت النباتية الأخرى كزيت دوار الشمس الذي يستعمل للقلي. هناك تجارب وخبرات في هذا المجال ولكن العقبة الكبرى هي بإيجاد البذور المؤصلة التي تتأقلم مع الشروط البيئية السائدة في مناطق إنتاج زراعة دوار الشمس التي تتركز في البقاع. في حال طالت الأزمة، سيكون هناك حاجة لزراعة الأصناف المحلية من دوار الشمس لإستخراج الزيوت منها. كما يمكن تطوير زراعة الكانولا في البقاع وهي زراعة شتوية ويمكن أن تساهم زراعتها بتحسين الدورة الزراعية ويمكن تطوير التقنيات والمعدات المناسبة لأستخراج زيت الكانولا وإنتاج كمية من الكسبة التي تستعمل في تغذية الحيوان.

 

البطاطا والبندورة

تعتبر البطاطا والبندورة من أساسيات المطبخ اللبناني. ينتج لبنان نحو 420 الف طن من البطاطا وهي تكفي للأستهلاك المحلي. إن إنتاج البطاطا يتركز في البقاع الأوسط وعكار ويجب العمل على تنسيق العملية الإنتاجية بين المنطقتين حسب متطلبات الدورة الزراعية وحسب توزع العملية الإنتاجية بين ربيعية وصيفية. يجب تخصيص نحو 100 الف هكتار موزعة على موسمين ربيعي وصيفي لأنتاج الكمية المطلوبة من البطاطا التي تعتبر مصدر مهم للكربوهيدرات في السلة الغذائية.

في ما يتعلق بالبندورة، ينتج لبنان نحو 250 الف طن وهي تكفي للاستهلاك المحلي وتساهم زراعة البيوت المحمية بنحو 20 % من الإنتاج. تزرع البندورة على مساحة مقدرة بحوالي 5 آلآف هكتار وهي بالمجمل زراعة صيفية ويمكن تأمين هذه المساحة للحصول على كمية الإنتاج المطلوب.

يبقى أن نشير إلى أن إنتاج البطاطا والبندورة مرتبط، بشكل مباشر، بعملية تأمين البذور المؤصلة المستوردة من الخارج. يمكن أن يكون هناك حلول لتأمين بذور البندورة إلا أنه بالنسبة للبطاطا فالعملية معقدة في ظل غياب التحويلات المالية. على اللبنانيين تطوير انتاج درنات البطاطا المعدّة للزرع محليا والخبرات والكفاءات التقنية الوطنية متوافرة ويمكن تطويرها بسرعة عبر دورات تدريبية في الخارج.

 

البصل والثوم

ينتج لبنان نحو 70 الف طن من البصل 2800 طن من الثوم. تقدر الحاجة الفعلية للسوق اللبناني بنحو 100 الف طن بصل وب 10 آلاف طن من الثوم. يمكن تأمين، من خلال الدورة الزراعية التي ستتبعها الخطة، المساحات المطلوبة لإنتاج الكميات المطلوبة خاصة أن أستيراد الثوم والبصل من الخارج سيكون أمرا غير سهلا لأسباب مادية نظرا لفقدان الدولار من السوق وربما لأسباب أخرى.

 

اللحوم والبيض والحليب

ينتج لبنان نحو 15 % فقط من حاجته من اللحوم الحمراء وهو يستورد بقيمة 789 مليون دولار سنوياً لتغطية حاجاته الاستهلاكية. من الصعب جدا استمرار الاستيراد لتأمين ما يلزمنا من هذه اللحوم التي سيتراجع استهلاكها سريعا بعدما وصل سعر كيلو لحم البقر الى أكثر من 200 ألف ليرة كسعر وسطي. كما ويبدو بأن تربية الدواجن قد تتوقف نظراً لأن هذا القطاع يعوّل على الأستيراد من أجل الأستمرار. لذلك علينا إيجاد بدائل محلية لهذه الحوم وهي تختصر بتطوير تربية الحيوان كالأغنام والماعز والأبقار في الأراضي التي يتوفر فيها المرعى وبإعادة تربية الدجاج في القرى على الطريقة التقليدية لتأمين جزء إضافي من الحاجات من اللحوم والحليب والبيض. وهناك طريقة سريعة وسهلة للحصول على اللحوم الحمراء والصحية ألا وهي تربية الأرانب التي تتكاثر بسرعة كبيرة وتعتبر عملية تغذيتها سهلة كونها تستهلك فضلات الخضار ويمكن أن تربى على أسطح المنازل أو في حدائق المنازل التي تؤمن لها المرعى الطبيعي.

على هذه الخطة التركيز أيضاً على عنصر الأبتكار في المجال الزراعي وفي مجال البيوتكنولوجيا تحديداً وعلى نشر المعرفة حول ترشيد الأستثمار الزراعي في سبيل تأمين نمو مستدام وتأمين الحد الأدنى من الأمن الغذائي من خلال رفع كمية الإنتاج الزراعي اللبناني من المواد الأساسية وذلك عبر زيادة المساحات المزروعة لإبعاد شبح المجاعة عن اللبنانيين. ومن الأهداف الأستراتيجية أيضاً لهذه الخطة هو العمل على توسيع الزراعات التي تتمتع بقيمة مادية عالية وخاصة تلك المعدة للتصدير بهدف تصحيح جزء من العجز الحاصل في الميزان التجاري ولرفع مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الأجمالي إلى 16 % على أساس ناتج محلي أجمالي مقدر ب 50 مليار دولار في 2033 (في حال استطاع لبنان من وضع خطة نهوض سريعة مبنية على تطوير القطاعات المنتجة وعلى رأسها الزراعة والصناعة التحويلية).

ولتحقيق الأهداف الاقتصادية للخطة علينا الدفع في اتجاه استفادة لبنان من الاتفاقات الدولية التي جاءت في السابق لغير مصلحته نظراً لغياب الخطط الإنتاجية الصحيحة، كما يجب تدعيم القدرات الإنتاجية لدى المزارعين ومربي الماشية والدواجن والنحل كافة، وصغارهم بشكل خاص، وذلك من أجل خلق فرص عمل حقيقية ومستدامة لتعزيز الأمن الاجتماعي.

يجب مرافقة هذه الخطة بأطر تشريعية تتعلق بالإدارات الرسمية المعنية بالعملية الزراعية  وبالاستثمار الزراعي بشكل عام حيث يجب إعادة هيكلة هذه الإدارات الرسمية لمرافقة التطلعات الجديدة نحو زراعة 2033 وخاصة فيما يتعلق بتطوير النظم الزراعية المتبعة. على هذا المستوى، يجب أن يدفع التشريع إلى التحول نحو نظم الزراعة المستدامة والحيوية التي تحترم البيئة وتحافظ على الموارد الطبيعية وتعمل على تجدد الترب الزراعية وزيادة خصوبتها وإنتاجيتها والتي تشكل رأس المال الأساس في العملية الإنتاجية. كما يجب تطوير الأطر التشريعية لحماية الأراضي الزراعية من خلال تصنيفها ومنع التمدد العمراني العشوائي اليها وأنشاء أطر قانونية تسهّل عمليات التلسيف المصرفي للقطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني.

 

خلاصة

إن إنتاج أساسيات الغذاء للبنانيين حسب ما تقدم يحتاج إلى نحو 200 ألف هكتار، أي ما نسبته 77 % من الأراضي الزراعية البالغة 260 الف هكتار، توزع على المحاصيل من خلال خطة مدروسة تهدف إلى تحقيق حالة من الأمن الغذائي النسبي بإنتظار الحلول. زراعة هذه المساحة يجب أن تخضع لخطة زراعية مدروسة تأخذ بعين الأعتبار أنواع التربة، توفر مياه الري، الدورة الزراعية وتوزيع الزراعات بين المناطق والفصول لكي يكون هناك أمكانية عالية في إنتاج محاصل وافرة من جهة وعدالة في توزيع المردود المادي على المزارعين في مختلف المناطق من جهة أخرى.

يجب ان يتوجه أستغلال المساحات الجديدة في الفترة الأولى، أي أول خمس سنوات، نحو الزراعات الأساسية كالقمح والبقول الجافة وذلك بهدف الوصول إلى تحقيق الأمن الغذائي بشكل سريع.

تترك المساحة المتبقية أي ما نسبته 23 % من الأراضي الزراعية المستثمرة أي 60 الف هكتار لإنتاج الخضار الورقية وغيرها من الزراعات التي لم تذكر سابقاً وذلك بهدف إنتاج سلة غذائية متكاملة بحيث لن يكون هناك أي نقص في الأسواق من هذه المنتجات الخضرية.

عند دخول الأراضي المستصلحة إلى دورة الإنتاج، يتم أختيار الزراعات بحسب ما يحتاجه البلد. فإما توسيع زراعة الأساسيات، أو التوجه نحو الزراعات الأستراتيجية ذات القيمة المرتفعة والمعدة للتصدير.

لضمان نجاح العملية الإنتاجية والحصول على كمية وافرة من المحاصيل فنحن نحتاج إلى وسائل مادية وتقنية في أغلبها مستوردة من الخارج ونذكر هنا خاصة البذور المؤصلة، الأسمدة والأدوية الزراعية.

هناك كمية من مخزون بعض بذور الخضار كالبندورة والقرعيات... ويمكن أن تكفي لموسم أو موسمين. علينا فيما بعد تأمين أستخراج بعض البذور محلياً ولدينا الخبرات الفنية لذلك وهناك بعض المؤسسات اللبنانية العامة والخاصة التي تعمل في هذا المجال. فيمكن دعم هذه المؤسسات لكي تقوم بتوسيع نشاطاتها لإنتاج الكمية الأكبر من البذور ولتصبح السياسة المتبعة في لبنان هي إنتاج كمية البذور المؤصلة داخلياً للحصول على نوع من الأستقلالية في هذا المجال وذلك بهدف ضمان الأمن الغذائي بشكل مستدام. ربما تكون مشكلة الحصول على درنات البطاطا المؤصلة للزرع هي الأكبر في هذا المجال ويمكن تخطيها بإعادة أستعمال الدرنات لحصول على البذار المبدء لهذه الزراعة. يمكن لمصلحة البحوث العلمية الزراعية أن تقوم بمهمة العمل على تأصيل بذور البطاطا وقد قامت بتجارب يمكن أن يبنى عليها للأستمرار وللوصول إلى الهدف المطلوب وهي تملك الكادر الفني المتخصص للوصول إلى هذا الهدف. كما يتمتع لبنان بأراضٍ خصبة يمكن أستغلالها في هذا المجال في كل من جرود الهرمل وجرود عكار. علينا التحلي بالمسؤولية والشجاعة والدفع في هذا الإتجاه ونعتقد بأنه خلال عدة سنوات سنتمكن من تحقيق هدف إنتاج درنات البطاطة المؤصلة المعدة للزرع ووقف الإتكال على الأستيراد.

كما علينا تأمين الكميات اللازمة من الأسمدة والأدوية لتسميد ومعالجة المحاصيل الزراعية لتأمين إنتاجية جيدة كماً ونوعاً. هنا تأتي أهمية التكنولوجيا الحيوية  LBMالتي يرتكز عليها برنامج تأهيل وتجدد التربة والذي قمنا بتطويره خلال سنوات طويلة من عملنا في مجال علم التربة وحيوياتها وعلم الزراعة حيث تقدم هذه التكنولوجيا حلولاً تقنية متكاملة وطبيعية لتعزيز الإنتاج كماً ونوعاً ولتطبيق نظم زراعية سليمة بيئياً ومستدامة. أن تطبيق هذه التكنولوجيا الحيوية يؤمن تجدد التربة ويجعل معادنها متاحة للنبات ويؤمن سماد طبيعي محضر بتكنولوجيا خاصة عالية الكفاءة والجودة بحيث يمكن أن يحل محل السماد الكيميائي في حال تعذر أستيراده وكذلك تؤمن هذه التكنولوجيا مخصبات عضوية تقوم بتسميد آزوتي هوائي وتحمي الإنتاج من الأمراض وبالتالي تكون المحاصيل عالية الجودة مع زيادة بالإنتاج تتخطى ال 25 %. كما يمكن لهذه التكنولوجيا أن تقدم حلأ لمسألة درنات البطاطا المحلية المعدة للزرع حيث تؤمن لها حماية من الأمراض وتسميد طبيعي جيّد مما يسمح لهذه الدرنات المحلية بتحقيق الإنتاجية المطلوبة. إنها تكنولوجيا وطنية لبنانية وأن تطبيقها هو الأساس لإنجاح خطة مكافحة المجاعة وهي غير مكلفة وإنتاجها لا يعتمد إلا على مواد أولية ذات منشأ لبناني.

 

أخيراً نقول بأن هذه الخطة وضعت بشكل طارىء لمواجهة الوضع الغذائي المستجد في لبنان نظراً للصعوبات المالية التي يواجهها وللرد على التحديات الناجمة عن مشكلة الأمدادات الغذائية حول العالم بسبب جائحة كورونا والحروب والنزاعات حول العالم.

علينا العمل بجدية مطلقة والتحرك بسرعة لمواجهة الوضع الغذائي الذي يتجه إلى كارثة كبرى مع الغلاء الفاحش للمواد الأساسية وفقدانها من السوق اللبنانية. إن السنوات القادمة ستكون قاتمة وصعبة جداً على اللبنانيين. لذلك، أردنا من هذه الخطة بأن تكون خطة مواجه سريعة تلبي الحاجات الغذائية للبنان في المرحلة الأولى وتتطلع، في المرحلة الثانية، إلى مساهمة فعّالة للقطاع الزراعي في إعادة بناء الأقتصاد الوطني على أسسس صحيحة ترتكز على القطاعات الإنتاجة والتي يأتي على رأسها القطاع الزراعي.

ويبقى التحدي الأكبر أمام هذه الخطة هو إيجاد التمويل اللازم لتنفيذ كافة مراحل الخطة وخاصة فيما يتعلق بمشاريع أستصلاح الأراضي والري. تقدر قيمة الأستثمارات المالية المطلوبة لأستصلاح 100 ألف هكتار وتنفيذ مشاريع الري اللازمة من برك اصطناعية وقنوات ري بحوالي مليار دولار موزعة على عشر سنوات، أي بمعدل 100 مليون دولار سنوياً. إن الناتج المالي السنوي لمساحة 100 ألف هكتار، مزروعة بالزراعات التقليدية المعروفة في لبنان، هو حوالي 1 مليار دولار وحوالي 1.5 مليار دولار في حال تم أختيار زراعات أستراتيجية-صناعية كالتي ذكرناها سابقاً. من هنا، يمكن أن نرى بأن هذا الأستثمار سيكون له انعكاسات إيجابية كبيرة، فهو يضمن الأمن الغذائي للبنانيين من جهة وهذا لا يقدر بثمن، ويساهم في تحصين الأقتصاد الوطني عبر زيادة الناتج المحلي من جهة ثانية.

لن يكون هناك أي صعوبة في ايجاد التمويل إذا ما كان هناك ارادة سياسية وتتطلعات حقيقة لدى الدولة العميقة في لبنان بتغيير بنية الأقتصاد الوطني والتوجه نحو الاقتصاد المنتج عبر تحقيق الأصلاحات المتعددة الأوجه. إن الاستثمار في أستصلاح الأرض والري من أجل الزراعة سيكون بمثابة انطلاقة أقتصادية جديدة تتطلع إلى توازن مالي مبني على أقتصاد حقيقي. من دون هذه الإرادة والرؤية الواضحة والتطلع نحو حلول واقعية ومتاحة كزيادة حجم الأراضي الزراعية لزيادة الناتج القومي السنوي المتأتي من الزراعة إلى حوالي 8 مليار دولار، سيبقى الاقتصاد اللبناني رهينة وجهات النظر التي أدت إلى خراب لبنان وضياع الفرص الحقيقية ببناء أقتصاد وطني حقيقي، متجانس وصلب، مبني على القطاعات الإنتاجية الحقيقية كالزراعة والصناعة اللتان غيبتا كلياً عن الخطط الحكومية في المراحل السابقة.

لبنان اليوم هو بأمس الحاجة إلى خطط اقتصادية واقعية وهذه الخطة الزراعية تحتوي على الأساسي من التطلعات وتجيب على الكثير من التساؤلات حول كيفية تطوير القطاع الزراعي ليكون جزءا حيويا من اقتصاد وطني حقيقي مبني على أسس ومبادىء صحيحة تهدف إلى تقويم البنية الاقتصادية في لبنان في السنوات العشر المقبلة.

                         ================== ج.س

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب