بو عاصي في لقاء في الانطونية: الازمة تؤثر سلبا على الهوية الوطنية وتعزز هوية الجماعات و3 تحديات أمام الفيدرالية في لبنان

وطنية - اعتبر عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب بيار بو عاصي، في لقاء بحثي مع طلاب من الجامعة الانطونية تحت عنوان "المواطن والمجتمع"، "أن القلق الذي تشعر به كل الجماعات في لبنان اليوم مشروع ولكن مبالغ به"، مشيرا الى ان "المبالغ به أكثر هو قدرة من يدعي حماية الجماعات المختلفة على حمايتها، ويبقى السؤال ماذا استطاع هؤلاء ان يفعلوا لحماية جماعاتهم من الازمة المالية والاقتصادية والاجتماعية؟".

وقال: "تظهر بشكل دائم عبر التاريخ، في هكذا أوضاع، مشاريع سياسية تغذي الشعور بالخوف عند الجماعة، لأن الجماعة الخائفة لا تفكر بل تتصرف غرائزيا وتصبح ادارتها أسهل من قبل من يدعي حمايتها"، داعيا الى "الهدوء والوعي والتشبث بالقيم في هذا الظرف العصيب"، مؤكدا ألا هوية ايجابية من دون قيم".

وعن مدى تأثير الحوادث التي يمر بها لبنان من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على هويته، أعلن بو عاصي انه "في المطلق ان أهم شيء في تاريخ البشر والشعوب هو الهوية، فهي تتحكم بحياتنا الفردية والجماعية. لذا نتمسك بها وصولا الى حد الموت في سبيلها. لكن رغم اهميتها القصوى يبقى تعريفها صعبا، فهي شعور بالإنتماء الى جماعة ما وثقافة ما وتوصيف هذا الشعور ليس بالامر السهل لأنه ينبع من داخل الانسان".

وتابع: "الهوية هي المرجع الذي يستند عليه الفرد لتعريف ذاته وعلاقته بالآخر ومجموعة قيمه وجذوره. صحيح ان هذا المرجع ثابت، لكن الهوية كما كل شيء في هذه الدنيا متحركة. الحركات الديموغرافية عبر التاريخ تغير الهويات كما أن الاحتياجات تغيرها جزئيا وفي بعض الأحيان بالإتجاه المعاكس. مثال على ذلك مقولة La Grèce captive a captivé Rome أي اليونان خسرت أمام روما عسكريا ولكنها إنتصرت ثقافيا وأصبح جزءا من الهوية الرومانية - أي الايطالية والاوروبية اليوم - يونانيا في الميثولوجيا والدين والفلسفة...".

وأشار بو عاصي الى تعدد جوانب الهوية في لبنان، فقال: "نحن بلد ناشئ كدولة وليس كوطن، فدولة لبنان الكبير عمرها مئة عام والاستقلال 77 عاما. يوجد قلق على الهوية فيه، فهو مكون من جماعات عدة لكل منها هويتها. والسؤال الاشكالية هو: هل ستستطيع هذه الجماعات التوصل الى هوية جامعة أم سيبقون مجموعة هويات؟ وهل الهوية الجامعة تعني أن هوية الجماعات سوف تضمحل؟".

أضاف: "لا تزال هوية كل جماعة مهمة لأفرادها. هذا مصدر غنى للبنان ولكن في الوقت نفسه من أسباب صعوبة إدارته كدولة بشكل فاعل ومنتج. ومن الانعكاسات السلبية لذلك السعي لإرتباطات خارجية لمختلف الجماعات اللبنانية عبر التاريخ، ما يساهم في تشتيت الهوية الجامعة ويسبب شللا في القدرة على إتخاذ قرارات أساسية كالإصلاحات والنهوض بالدولة، وصولا الى محاربة الفساد".

ولفت الى ان "إشكالية الهوية الجامعة وهويات الجماعات والتأثير البديهي على كيان الدولة وادائها تظهر جليا في دول عدة وليس فقط في لبنان"، مؤكدا أن "الازمة التي تعصف بلبنان اليوم تؤثر سلبا على الهوية الوطنية وتعزز هوية الجماعات"، موضحا ان "الهوية الجامعة مرتبطة الى حد كبير بأداء الدولة وانتاجيتها، وهذه الاخيرة اثبتت فشلها حتى الان ما انعكس ضعفا في الهوية الوطنية. هذا يؤدي الى تقوقع على مستوى الهوية داخل هوية الجماعات وصولا حتى الى هوية الأفراد وهذا ما يظهر حين نرى أشخاصا يهاجرون بحثا عن السعادة والاستقرار بعدما فقدوا الامل بأن تؤمن لهم هوية الجماعات او الهوية الجامعة متطلبات حياتهم وأمنهم وازدهارهم".

وردا على سؤال عن مدى أهمية تطوير الرياضة لتكون جزءا من الهوية، أجاب: "هناك قول مأثور "اذا اردت ان تعرف قيم بلد ابحث عن سجونه ورياضته"، أي إبحث اذا كان السجين محترما كإنسان والرياضي شغوفا وناجحا. الرياضة ليست تمرينا جسديا فحسب بل هي ايضا روح تتشابك فيها المنافسة واحترام الاخر كما التحدي الايجابي وقبول الربح والخسارة. الرياضة تقترن بصفات الارادة والصلابة والمثابرة، الى جانب تأثيرها الايجابي على الصحة الجسدية والنفسية. كما ان الرياضة ضمن المنتخبات تعزز الشعور الوطني. وهنا أدعو الجميع لممارسة الرياضة مع إحترام قواعد الأمان وتفادي الإصابات".

واعتبر بو عاصي أن "اللامركزية أو الفيدرالية هي أحد انواع نظام الحكم لأي دولة"، معتبرا أنه "على الشعوب البحث عن النظام الذي يتلاءم مع واقعها".

أما عن لبنان، فاعتبر أن هناك ثلاثة تحديات أمام الفيدرالية: التقسيم الجغرافي، الامكانيات المالية والتوازن الديموغرافي ضمن كل منطقة. وقال: "لا اجوبة واضحة عنها فهذه هي التحديات حتى الآن في لبنان. بالتأكيد إدارة البلد لامركزيا أفضل للناس بحيث تكون الادارات أقرب الى احتياجاتهم من الادارة المركزية التي أثبتت فشلها بسب عدم القدرة أو النية على إتخاذ قرارات لحلول مستدامة. ثمة أسئلة تطرح: هل اداء اللامركزية سيكون أفضل في مسألتي ضبط السلاح غير الشرعي والانهيار المالي؟ هل مطروح فيدرالية على أساس مناطقي كألمانيا أو جماعي- ثقافي كإسبانيا أو كبلجيكا؟ قبل الانخراط في مشروع اللامركزية يجب علينا ان نحدد اطارها وصلاحياتها وامكاناتها وان نعي أنها ليست حلاً سحريا لأن كل دولة لامركزية مبنية على دولة مركزية".

وردا على سؤال، قال: "كلمة علمنة حمالة أوجه. نشأت في فرنسا بعد الثورة الفرنسية لفصل الدين عن الدولة في بلد وحدوي بإمتياز حيث كان 95% من السكان من المسيحيين الكاثوليك متجانسين عرقيا ويتكلمون اللغة نفسها وعاداتهم متشابهة. نحن بلد متأثر بفرنسا ولكن لا نشبهها. تعددية لبنان ليست طائفية بالمعنى الديني والمذهبي Confessionnelle بل جماعية بالمعنى الثقافي والمجتمعي Communautaire. هل نسعى بطرح العلمنة الى فصل الدين عن الدولة أم الى الغاء الطوائف؟ القوانين لا تلغي الواقع الإجتماعي والثقافي التعددي. حتى ولو فصلنا الدين عن الدولة في لبنان فإن ذلك لن يلغي الواقع الطائفي، ليس من الجانب الديني فحسب، بل الثقافي والاجتماعي وانعكاساته السياسية. الهوية الطائفية لا تمنع بروز هوية جامعة، فسويسرا نجحت بذلك، كما بلجيكا وإسبانيا الى حد كبير. لن نستطيع تغيير مجتمعنا بل علينا تقبله كما هو وتحسين ادائه وتواصل مكوناته. لا بد من التنبه الى أننا لم ننجح حتى الآن بوضع قانون موحد للاحوال الشخصية او منع الزواج المبكر او حتى تجريم العنف الاسري".

حرية التعبير
واكد بو عاصي ان "حرية التعبير عندنا متقدمة على مستوى الإعلام والفرد، مقارنة بالجوار، ولكن لم تبلغ مداها بعد، حيث ما زال من الصعب تقبل انتقاد اي مسؤول او رئيس بشكل حاد"، موضحا "ان حرية التعبير ثقافة مجتمع، فحين نقمع حرية التعبير عند الولد حيث يقال له لا تعط رأيك بوجود الكبار ولا تجاوب من هو اكبر منك، فلا تتوقع ان يصبح مواطنا يعبر بحرية وثقة بالنفس"، منبها "من الرقابة الذاتية لدى الكثيرين وحتى لدى بعض وسائل الاعلام".

وقال: ""هناك أمران يحتاجان لوقت من أجل تغييرهما لانهما مرتبطان بالثقافة: الخوف والمحرمات، ما يقوض الحرية. المحرمات والممنوعات كثيرة في مجتمعنا. صحيح بأن لا مجتمع دون ضوابط ومحرمات، ولكن كلما كانت مساحة التابو أضيق كلما كان الابداع والحرية اوسع".

وعن دور المرأة، أسف بو عاصي "لاننا ما زلنا نطرح موضوع تفعيل دور المرأة في القرن الواحد والعشرين"، مذكرا بأن "لبنان منح المرأة الحق بالتصويت قبل سويسرا". وقال: "في عالم الاعمال تقدمت المرأة في المراتب ولكن ما زال هناك خلل في الرواتب. اليوم مطلوب ان تلعب المرأة دورها وتحديدا على الصعيد السياسي. انها تقترع نسبيا كحجم اقتراع الذكور ولكنها لا تشارك في الترشيح او تبوؤ المسؤوليات. أنا ضد "الكليشيهات" ورأيي الشخصي أن خلق جماعة نسوية مقابل جماعة ذكورية خطأ كبير، فالنساء والرجال جماعة واحدة اسمها البشرية".


=========== ن.م

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب