الأخبار : أهلا بكم في مزرعة رياض سلامة

وطنية - كتبت صحيفة " الأخبار " تقول : بكل وقاحة، يتصرّف رياض سلامة كما لو أن مصرف لبنان مزرعته ‏الشخصية. مستنداً إلى حمايته الداخلية والخارجية، يرفض التجاوب مع ‏الشركة التي كلّفها مجلس الوزراء بالتدقيق في حسابات المصرف


تنتهي اليوم المهلة المعطاة لمصرف لبنان للإجابة عن أسئلة شركة "ألفاريز اند مارسال"، تمهيداً لإجرائها التدقيق ‏الجنائي في حسابات المصرف، تنفيذاً للعقد الموقع بينها وبين وزارة المالية. كل الترجيحات تشير إلى أن حاكم مصرف ‏لبنان رياض سلامة لن يسلّم أغلب المعلومات المطلوبة، بحجة السرية المصرفية والمهنية التي يفرضها قانون النقد ‏والتسليف، متجاهلاً الاستشارة التي أعدّتها هيئة الاستشارات والتشريع في وزارة العدل، والتي أكّدت أن مصرف لبنان ‏ملزم بتنفيذ قرار مجلس الوزراء الذي أقرّ التدقيق الجنائي. عدم التزام سلامة بتسليم المعلومات المطلوبة لشركة ‏التدقيق، هو بمثابة إعلان واضح وصريح عن كونه يقود دولة ضمن الدولة؛ دولة يبطش فيها حاكم المصرف ‏المركزي كما يريد وبصلاحيات مطلقة، فيمعن، بدعم من حماته وشركائه في الوقت نفسه، بإفلاس الدولة على حساب ‏إثراء أصحاب المصارف (من محتكرين وسياسيين)، مستخدما أموال المودعين والأموال العامة في هذه العمليات ‏الاحتيالية.
هي دولة سلامة نفسها التي تقود بلداً كاملاً بمؤسساته وقطاعاته الى الانهيار الشامل، ثم تتذرع بحصانتها ‏واستقلاليتها لتبرير عدم تعاونها مع شركة التدقيق. ففي المزرعة التي يتزعمها سلامة ويسنّ لها قوانينها الخاصة لإنقاذ ‏نفسه والطبقة التي يمثلها من أصحاب الأموال والمصرفيين والسياسيين والمحتكرين، ثمة ثقة مطلقة بعدم إمكانية ‏الوصول اليه أو محاسبته، بدفع أميركي من جهة ومحلي من جهة أخرى. وهو ما حدا به الى منح نفسه اليوم حق ‏التمرّد على الدولة ممثلة بمجلس الوزراء، متذرعاً باستقلالية مصرف لبنان النقدية، ويديه المطلقتين، قانوناً، في إدارة ‏السلطة الناظمة للقطاع المصرفي، والتمرد على القانون الذي ألزمه بالتجاوب مع طلبات الشركة ونزع لغم السرية ‏المصرفية التي يتذرع بها. فاستقلالية مصرف لبنان الواسعة وشبه المطلقة عن السلطات السياسية، لا تجعله وحدة ‏قائمة خارج المؤسسات الرسمية والشرعية، ولا تمنحه حق التصرف بأموال الدولة والمودعين كما لو أنها أملاك ‏خاصة لا يسمح لأحد بالسؤال عن وجهة صرفها. بل إن المصرف المركزي هو مصرف الدولة وإحدى مؤسساتها، ‏ومن المفترض أن يلتزم بقوانين السلطة التشريعية ويخضع لأحكام السلطة القضائية وقراراتها. وفي هذا الاطار، لا بد ‏من تذكيره بالمادة 15 من نظام الموظفين الصادر بتاريخ 12 حزيران 1950، والتي تحظر "على الموظف أن يقوم ‏بأي عمل تمنعه القوانين والأنظمة النافذة أن يبوح بالمعلومات الرسمية التي اطلع عليها أثناء قيامه بوظيفته حتى بعد ‏انتهاء مدة خدمته، إلا إذا رخصت له وزارته خطياً". بناءً عليه، لا يلحظ القانون أي موانع من إعطاء معلومات في ‏حال التدقيق الجنائي على عمليات مصرفية داخل مصرف لبنان، لأن المصرف هو من القانون العام بموجب المادة 13 ‏من قانون النقد والتسليف، وإن كان يتمتع بالاستقلال المادي. فإذا كان يمكن للموظف في القطاع العام إعطاء معلومات ‏إذا رخصت له وزارته خطياً بذلك، فكيف إذا كان هذا الترخيص صادراً عن مجلس الوزراء مجتمعاً، وهدفه كشف ‏حقائق مهمة تمسّ الأمن الاقتصادي والمالي والنقدي والسياسي والاجتماعي للبنانيين الذين لهم الحق في معرفة مصير ‏أموالهم. أما السرية المصرفية، فهي الفرع لا الأصل الملزم لأي موظف في المصرف مهما كانت رتبته. فهل الفرع ‏أهم من الأصل، ويبرر التغاضي عن المخالفات المرتكبة والأموال المهدورة، أم حماية أموال الناس التي تبخّر الجزء ‏الأكبر منها؟
ما تبقى من هيكل في الدولة اللبنانية اليوم مطالب ليس فقط بإقالة رياض سلامة، بل محاكمته أيضاً. مصالح بعض ‏من القوى السياسية والمالية الحامية لسلامة، بدءاً برئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، مروراً برئيس مجلس ‏النواب نبيه بري، وصولاً الى رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، إضافة الى جيش من رجال الأعمال ‏والمسؤولين والمصرفيين ورجال الدين، حوّلت مسألة التدقيق الجنائي من مسألة حتمية وضرورية وبديهية الى ‏مطلب فريق واحد، مبتدعة تبريرات لإخفاء الحقيقة. ثمة مشكلة في حسابات مصرف لبنان، غير قابلة للحل نتيجة ‏عدم توافر القرار السياسي. وذلك يقضي على أي محاولة لإصلاح النظام وتطويره. عندما تتسلّم شركة "ألفاريز ‏أند مارسال" الأجوبة غير المكتملة للمصرف المركزي اليوم، لن يكون أمامها سوى إبلاغ وزارة المالية بأنها ‏غير قادرة على تنفيذ العقد. وذلك لن يكون مقبولاً بالنسبة إلى رئيس الجمهورية، العماد ميشال عون، الذي يصرّ ‏على التدقيق الجنائي ويعتبره جوهر الصراع الذي سيسقط منظومة بأكملها. هذا الأمر كان مدار بحث بينه وبين ‏وزيرة العدل ماري كلود نجم التي زارته أمس. نجم التي أكدت، من قصر بعبدا، ضرورة تنفيذ العقد مع شركة‎ ‎‎"Alvarez & Marsal" ‎وتزويد المصرف المركزي الشركة بالمعلومات والمستندات المطلوبة، تدرك أن سلامة ‏لن يسلّم المعلومات المطلوبة، بالرغم من كل الكتب التي وصلته من وزارتي المالية والعدل. ولذلك، تسأل وزيرة ‏العدل: "ما هي الرسالة التي نوجهها للشعب اللبناني؟ هل يعقل أن نعلن أن الدولة لا يمكن أن تدقق في حساباتها ‏وحسابات المؤسسات التي تتبع لها؟ هل نقول إن ثمة مؤسسات فوق القانون والمراقبة؟". ورداً على التذرّع ‏بالسرية المصرفية، تؤكد نجم لـ"الأخبار" أن "حسابات الدولة لا تسري عليها السرّية ونقطة على السطر". ‏العدلية لا تملك الأجوبة عن كيفية إلزام مصرف لبنان بتنفيذ قرار الحكومة، لكن مصادر معنيّة لا تلغي احتمال أن ‏ترفع الدولة، من خلال هيئة القضايا في وزارة العدل، دعوى على سلامة تلزمه فيها بتنفيذ قرار الحكومة. ذلك ‏احتمال قائم، لكن المصادر تدرك أن المسار الطويل لقضية كهذه يزيد من احتمال تدخل الحماية السياسية لعرقلة ‏أي مجهود يصبّ في خانة كشف مغارة المصرف المركزي. لا نقاش بالنسبة إلى نجم في حق الناس بمعرفة ‏مصير التدقيق الجنائي، لأنه ببساطة "من دونه لا حقائق ولا استرداد للأموال المنهوبة، بما يعني أن الشعب وحده ‏سيدفع الثمن". مع ذلك، تثق وزيرة العدل بأنه لا بد من التحقيق الجنائي في النهاية، فهو أصبح بنداً أول في الورقة ‏الإصلاحية، كما في المطالب الدولية، ومن دونه قد لا نتمكن من الحصول على قرش واحد. كيف يمكن الوصول ‏إلى تنفيذ التدقيق إذاً؟ تجزم وزيرة العدل بأنه تجري دراسة كل الأمور المتاحة‎.


‎"‎الحريري يعرقل نفسه‎"!
على صعيد آخر، لا تزال القوى السياسية التي تتولى مفاوضات تأليف الحكومة مصمّمة على تأخير التأليف. اللقاء ‏بين الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس الجمهورية، أمس، لم يفتح كوة كبرى في الجدار. "الحريري هو من ‏يعرقل نفسه بنفسه". هذا ما تؤكده مصادر مطلعة على مشاورات التأليف التي لا تزال تصطدم بالحائط المسدود. ‏قد لا يكون جبران باسيل بريئاً تماماً، لكن جسم الرجل "لبّيس"، والحريري لا يوفر جلسة أو لقاء من دون أن ‏يتهمه بالوقوف وراء تعطيل تشكيلة حكومته. المصادر نفسها تؤكد أن الرئيس المكلّف، "كعادته قبل تأليف ‏حكوماته، أعطى وعوداً متناقضة، وعندما أتى وقت التقريش، وقعت المشكلة‎".‎


فهو، على سبيل المثال، كان قد تفاهم مع رئيس الجمهورية ميشال عون على أن تُترك للأخير تسمية الوزراء ‏المسيحيين أو الموافقة عليهم، لكنه وعد في الوقت نفسه النائب سليمان فرنجية والحزب السوري القومي الاجتماعي ‏بتوزيرهما من الحصة المسيحية بطبيعة الحال. أكثر من ذلك، التوافق الأوّلي مع رئيس الجمهورية على أن تكون ‏حقيبتا الدفاع والداخلية من حصة الأخير، سرعان ما أتبعه الحريري باقتراح اسم نقولا الهبر المحسوب عليه ‏لتولي الداخلية. المصادر اختصرت الأمر بأن الرئيس المكلف "يريد تسمية الوزراء المسيحيين، وهو ما لا يفعله ‏مثلاً مع الثنائي الشيعي أو مع وليد جنبلاط". تؤكد المصادر أن "من غير الجائز إذا ما اعترض رئيس الجمهورية ‏على اسم معين أن يُعزى ذلك الى نية تعطيلية يقف باسيل وراءها على الدوام"؛ إذ إن "لرئيس الجمهورية رأياً لا ‏يجوز أن يُنسب دائماً الى نية تحاصصية". فعلى سبيل المثال، اقتراح تسمية رئيسة قسم الطاقة المتجددة في بنك ‏عوده، كارول عياط، لوزارة الطاقة، لقِي تحفّظاً من عون لا لخلفية سياسية، بل لوجود "تضارب مصالح واضح" ‏في تسميتها، إذ إن الأخيرة هي من كانت تتفاوض مع وزارة الطاقة على كل العقود التي كان البنك طرفاً فيها، ‏كمشروعي دير عمار و"هوا عكّار". أضف الى ذلك أن الحريري، وبحسب المصادر، طرح أسماء عديدة لا ‏خلفية اختصاصية لها، فضلاً عن أنه ضرب فكرة الاختصاص من أساسها مع اقتراحه حكومة الـ 18 وزيراً التي ‏تعني أن خمسة وزراء على الأقل سيحمل كل منهم حقيبتين لا تمت إحداهما إلى الأخرى بصِلة‎.‎

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب