الثلاثاء 23 نيسان 2024

02:50 pm

الزوار:
متصل:

الديار : التعديلات في الخطّة الحكومية على نار حامية مع
مجيء ‏‏"لازارد" إلى بيروت
من دولة غنية إلى دولة فقيرة... طريق لبنان معبد ‏بالمخاطر والتحديات
التجار يحققون أرباحاً طائلة... و"حماية المستهلك" ‏غائبة... ولا سجلات أرباح

وطنية - كتبت صحيفة " الديار " تقول : التحدّيات التي تواجه الحكومة اللبنانية سواء على الصعيد السياسي أو على الصعيد ‏الإقتصادي أظهرت ضعف قدّرة الحكومة على مواجهتها. سياسيًا، فرض طرح ‏البطريرك الماروني ما بشارة بطرس الراعي في ما يخص الحياد تحدياً إضافياً ‏للحكومة التي أصبحت في مكان ما "متفرّجة" أكثر منه "فاعلة" وذلك على الرغم من ‏زيارة الرئيس حسان دياب إلى الديمان للقاء البطريرك الماروني. أمّا إقتصاديًا فقد ‏شكّلت خطوة وزير الخارجية التفاوض على "إستثناءات لقانون قيصر خطوة مُلفتة ‏وإيجابية في مقابل تصدّع وتراجع على صعيد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي‎.‎


التعقيدات التي تواجه المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والتي تنبع من مبدأ عدم ‏التوافق الداخلي على الخطة الحكومية، فرضت تعديلها وهو ما سيكون موضوع زيارة ‏وفد شركة لازارد هذا الأسبوع إلى بيروت حيث من المفروض البحث في ثلاث نقاط ‏أساسية: حجم الخسائر خصوصًا بعد تقرير لجنة المال والموازنة، توزيع الخسائر ‏بشكل عادل، والشق الإصلاحي. وإذا كان من المتوقّع أن تتجه الأمور إلى الإنفراج ‏على هذا الصعيد بعد هذه التعديلات وبعد قيام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ‏بتشكيل لجنة تدرس إعادة هيكلة القطاع المصرفي، تبقى الترجمة العملية لهذا الإنفراج ‏رهن التطورات السياسية التي تُلقي بثقلها على الواقع الإقتصادي المالي النقدي‎.‎
بالتزامن مع هذه التطورات، يعيش المواطن اللبناني، في ظل غياب لدائرة حماية ‏المستهلك، على لهيب الدولار الأميركي الذي يحوّله التجار إلى أرباح طائلة غير ‏مسجّلة في دفاترهم تهرّبًا من دفع الضرائب وذلك من خلال ممارسة لعبة الإحتكار والـ‎ ‎‎"cost replacement".‎
هذه المشاكل لا يُمكن تخطّيها إلا بتعديل جذري بالنموذج اللبناني ليُحاكي الإنسان ‏والتطورات العصرية‎.‎

لشتنشتاين
كريستوف زيلير، الملياردير الوحيد في اللشتنشتاين يمتلك ثروة بقيمة 1.3 مليار دولار ‏أميركي (جريدة لوموند الفرنسية) وهي ثروة توازي نصف الناتج المحلّي الإجمالي ‏لدولة اللشتنشتاين البالغة 6.2 مليار دولار أميركي. في المقابل يبلغ الدخل الفردي ‏للمواطن في هذا البلد 211 ألف دولار أميركي مُحتلا بذلك المرتبة الثانية عالميًا بعد ‏إمارة موناكو‎.‎
اللشتنشناين هي إمارة موجودة في أوروبا بين النمسا وسويسرا وتبلغ مساحتها 160 ‏كلماً مربّعاً مع عدد سكان لا يتجاوز الـ 40 ألف شخص. وتتمتع هذه الإمارة بميزات ‏تجعلها من الدول الفريدة من نوعها مع إقتصاد حرّ مركّز على الصناعة بالدرجة ‏الأولى (40% من الناتج المحلّي الإجمالي) تليه الخدمات المالية (30%)، قطاع ‏الخدمات من دون الخدمات المالية (52%)، الأبحاث (7%) والزراعة (5%). هذه ‏الهيكلية جعلت عدد الشركات المُسجّلة في اللشتنشتاين (أكثر من 80 ألف شركة) يفوق ‏عدد سكانها! والبحث عن الأسباب التي تجعل من الشركات تتهافت على هذا البلد ‏القوانين المرنة ولكن أيضًا نظام الضرائب الذي لا يتعدّى الـ 20% في أحسن الأحوال ‏على الشركات وضريبة على الدخل الفردي لا تتعدّى الـ 1.2‏‎%!‎
السريّة المصرفية ومتانة القطاع المصرفي والضرائب المُنخفضة تجعل من هذا البلد ‏ملاذ آمناً للراسميل التي تتهافت بشكل كبير على البلد وتجعل من كل السكان يستفيدون ‏من الإستثمارات مع فرص عمل هائلة لبلد بهذا الحجم الصغير‎.‎

زيمبابوي
في المقابل تعيش زيمبابوي (الموجودة في جنوب القارة الأفريقية) حالة من عدم الثبات ‏السياسي والعسكري الذي يجعل المواطن في هذا البلد يعيش أسوأ ظروف إجتماعية في ‏العالم. تمتلك زيمبابوي ثروات هائلة من البلاتين، النيكل، الألماس‎... ‎وكانت حتى فترة ‏طويلة جدًا تُعدّ خزان القمح في جنوب القارة الأفريقية. تبلغ مساحة زيمبابوي 391 ‏الف كم مربّع وعدد سكانها 15 مليون نسمة مع ناتج محلّي إجمالي بقيمة 20 مليار ‏دولار أميركي (2019) بعد أن بلغ 4.4 مليار دولار في العام 2008‏‎.‎
إدارة الرئيس السابق روبير موغابي، جعلت مداخيل الموارد الطبيعية للمواطنين تذهب ‏إلى الجيوب الخاصة لبعض الأشخاص مع إستنسابية في التعاطي مع الشركات التي ‏ترزح تحت ضرائب هائلة كانت تذهب لسدّ إنفاق الموازنة البالغ 30% من الناتج ‏المحلّي الإجمالي (50% في لبنان!). هذا الأمر جعل الإستثمارات الأجنبية تغيب ‏خصوصًا أن زيمبابوي دخلت حربًا ضروسه مع الكونغو مما دفع أكثر من 3 ملايين ‏مواطن إلى الهجرة من المجاعة والحرب. على الصعيد الزراعي، سيطر السكان ‏البيض على المزارع لتعود الحكومة وتُصادر هذه المزارع لاحقًا‎.‎


في العام 2002، فرضت الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد الأوروبي عقوبات على ‏زيبمابوي وقامت الصين بإستخدام الإستعمار الإقتصادي لمساعدة زيمبابوي حيث ‏ضخّت أموالا في البلد تعود عائداتها بالدرجة الأولى للصين مع إكتفاء المواطن بدخل ‏أقل من 1500 دولار أميركي سنويًا‎!‎


في العام 2007 إلى العام 2008، قامت الحكومة بطبع العمّلة بشكل كثيف حتى بلغ ‏التضخّم 241 ألف بالمئة! وإضطرّ المصرف المركزي أنذاك إلى إستخدام ورقة الـ ‏‏100 تريليون دولار زيمبابوي ليُعاود بعد ذلك إصدار عملة جديدة في العام 2009 ‏على شكل أوراق سندات. في العام 2008، كان الدخل الفردي في زيمبابوي يوازي ‏‏350 دولاراً أميركياً ليرتفع إلى 1300 دولار أميركي في العام 2019 وعلى الرغم ‏من ذلك ما يُميّز الإقتصاد الزيمبابوي اليوم هو التضخمّ واللاعدالة في توزيع الثروات‎.‎
بلغ الناتج المحلّي الإجمالي في زيمبابوي في العام 8.53 1997 مليار دولار أميركي، ‏لكن دخول زيمبابوي في صراعات عسكرية والتخبّط السياسي والعقوبات الدولية جعل ‏الناتج المحلّي الإجمالي ينخفض إلى النصف في العام 2008. وشهد البلد حركة هجرة ‏كبيرة بلغت 3 مليون شخص على 15 مليون نسمة إجمالي السكان. وقدّ أدّت العقوبات ‏على هذا البلد، على الرغم من الإستثمارات الصينية وعلى الرغم من إرتفاع الدخل ‏الفردي إلى 1300 دولار أميركي، إلى إفقار المواطن الذي يرزح تحت تضخّم لم يعد ‏من السهل السيطرة عليه على الرغم من إرتفاع الصادرات من المواد الأولية‎.‎

لبنان
ما يحدث في لبنان حاليًا من تطورات سياسية وإقتصادية شبيه إلى حدٍ بعيد بما حصل ‏في زيبمابوي في العام 1997 (بالطبع لا نُقارن القدرات الإقتصادية ولا الإطار ‏السياسي بل التطورات). سوء إدارة الأزمة اللبنانية قدّ يوصل إلى إتباع لبنان نموذج ‏زيبمابوي. فالتضييق الدولي (خصوصًا الأميركي) على قدوم الدولارات وخطر وقوع ‏لبنان تحت العقوبات يجعل من التضخّم المُفرط مسيرة طويلة من التفقير الذي قد يطال ‏المواطن اللبناني، وهي مسيرة قد تطول في حال قامت الصين بالإستثمار في لبنان. ‏الجدير ذكره أن الصين هي الشريك الإقتصادي الأول للبنان مع 11.2% حجم إستيراد ‏لبنان من الصين، وهذا الأمر لا مُشكلة عليه. إلا أن المُشكلة تظهر مع بدء الصين ‏علمية الإستثمار في لبنان حيث سيُصبح لبنان في هذه الحالة حلبة الصراع الأميركية ‏الصينية كما هي حال زيمبابوي. وما نسبة التضخّم التي وصل إليها الإقتصاد في ‏زيبمابوي (241000%) إلا مثالاً على ما قد يصل إليه الوضع في لبنان في حال ‏تأزمت الأمور‎.‎

فساد، تضخّم، توزيع غير عادل للثروات
‎1% ‎من الشعب اللبناني يستأثر بـ 25% من الدخل القومي ويمتلك أكثر من 40% من ‏الثروة الوطنية. هذا الواقع يجعل لبنان يحتل المراتب الأولى بين الدول حيث لا عدالة ‏إجتماعية ولا توزيع عادل للثروات. بالطبع لا يجب فهم الأمر على أنه يتوجّب أخذ ‏أموال الأغنياء وتوزيعها على الفقراء، بل يجب أن يكون توزيع الدخل القومي عادلاً ‏يسمح بإعطاء الشخص حقوقه بحسب مساهمته في اللعبة الإقتصادية من خلال الأجور ‏ولكن أيضًا من خلال خلق فرص إستثمارية للأفراد. كيف يُعقل أن بلداً مثل اللشتنشتاين ‏فيه توزيع عادل للثروات في حين أنه في لبنان هذا الأمر غير مُمكن؟ هل أصبح ‏النموذج الزيبمابوي هو المثال للبنان حيث هناك أقلّية تتنعّم بثروات البلد؟ النظرية ‏الإقتصادية تنصّ على أن توزيع واسع للدخلّ القومي يُساهم في زيادة هذا الدخل ‏بمعدّلات كبيرة. وبالتالي هناك مصلحة للجميع في توزيع عادل للدخل عملا بمبدأ أن ‏الإستهلاك الناتج عن هذا الدخل يسمح بتشغيل أوسع للماكينة الإقتصادية‎.‎
أكثر من عشرة مليارات دولار أميركي حجم الفساد في لبنان! إذ يكفي النظر إلى ما ‏يحصل في القطاعات العامّة كافة لمعرفة هول الكارثة. لن ندخل في ما يحصل في ‏القطاع العام من توظيفات، أو في الكهرباء أو الجمارك أو الإتصالات... نظرًا إلى أن ‏القارئ أصبح يعرف الكثير، بل سنُسلطّ الضوء على الإحتكار الذي يجد منبعه في ‏الفساد وبالتالي يحرم الإقتصاد من فرص هائلة كانت لتُعود بالمنفعة على الجميع حتى ‏على الفاسدين‎.‎


الإحتكار الذي يُمارس حاليًا في لبنان هو نتاج الحماية التي يؤمّنها أصحاب النفوذ ‏للمحتكرين بهدف الإستفادة من الأرباح التي يُحقّقونها. هذا الإحتكار له تداعيات كبيرة ‏على هيكلية الإقتصاد الذي تحوّل بفعل هذا الإحتكار إلى إقتصاد إستيرادي بالدرجة ‏الأولى وحتى الصناعات المحلّية لا يُمكن منافستها نظرًا للحماية المؤمّنة لهذه ‏الصناعات من أصحاب النفوذ. كل هذا بسبب الفساد المُستشري والذي يسبب بتركيز ‏الثروات وبالتالي زيادة الفقر وتراجع الناتج المحلّي نسبة إلى الناتج المحلّي الإجمالي ‏الممكن تحقيقه‎!‎


وماذا نقول عن التضخّم المفرط الذي يعيشه لبنان منذ بدء الأزمة في تشرين الأول من ‏العام الماضي. هذا التضخّم الذي وصل إلى مستويات أصبح معها الأمن الغذائي ‏للمواطن في خطر حقيقي ويُنذر بكوارث إجتماعية، كانت أسبابه الأساسية جشع التجار ‏ليُضاف إليه لاحقًا (بعد التوقف عن دفع سندات الخزينة) طبع العمّلة‎.‎
على هذا الصعيد، تنصّ النظرية الإقتصادية بمفهومها الواسع (إقتصاد - اجتماع - بيئة) ‏على أن التضخّم هو العدو الأول للأمن الإجتماعي ويزيد من نسب الفقر خصوصًا الفقر ‏المُدّقع. لكن الأسوأ في هذا الإطار يبقى الخوف من إختفاء الطبقة الوسطى التي تُشكّل ‏أساس المجتمعات! في حال حصول هذا الأمر، يُصبح لبنان مثل زيمبابوي من ناحية ‏تركيبته الإجتماعية - الإقتصادية‎!‎

إعادة تموّضع
من كل ما تقدّم نرى أن على لبنان الإختيار بين نموذج لشتنشتاين أو نموذج زيمبابوي. ‏الخيار الأخير سهل ويكفي عدم القيام بأي إجراء وسنصل إليه في وقت قليل، أما الأول ‏فهو نموذج يتطلّب الكثير من العمل لكن نتائجه مضمونة‎.‎
كم من الخبراء يقولون إن لبنان لا يصلح للصناعة أو الزراعة بحكم أن مساحته ‏صغيرة؟ في الواقع 40% من الناتج المحلّي الإجمالي للشتنشتاين هو من الصناعة ‏و5% من الزراعة لبلد مساحته 160كم مربع!! أيضًا كم من الخبراء كانوا يقولون إن ‏قوّة لبنان في قطاعه المصرفي؟ وعلى الرغم من ذلك كان يُمكن للبنان الذهاب أبعد من ‏ذلك عبر رفع مساهمة مداخيل هذا القطاع في الناتج المحلّي الإجمالي‎.‎
الفارق الأساسي بين اللشتنشتاين ولبنان أن اللشتنشتاين تتمتع بقوانين شاملة ومرنة ‏وتتشدّد في تطبيقها في حين أنه في لبنان هناك أكثر من 50 قانوناً غير مُطبّق! أيضًا ‏يتميّز اللشتنشتاين بشفافية في تطبيق قوانينه وهو أمر نفتقده في لبنان. وقد يقول البعض ‏أن اللشتنشتاين مُتهم بتبييض الأموال ويستفيد من سـريته المصرفية، إلا أن معرفة أن ‏مساهمة القطاع المالي هي 30% من الناتج المحـلّي الإجمـالي تضّـحد هذا القـول‎.‎


من هنا نرى أن هناك ضرورة للقيام بإصلاحات تعيد تموضع السياسات الإقتصادية ‏للحكومة ليكون محورها الإنسان بالدرجة الأولى. وبالتالي هناك سلّة من الإصلاحات ‏التي تنتج عن إعادة التموضع هذه وعلى رأسها تطبيق القوانين، المحاسبة، الشفافية، ‏محاربة الفساد، محاربة الإحتكار، قوانين عصرية مرنة، خطط إقتصادية تدعم المبادرة ‏الفردية وتؤمّن البنى التحتية اللازمة... ويبقى الأهمّ ضرب هيمنة الحسابات السياسية ‏على القرارات الإقتصادية‎.‎
مَرْتا، مَرْتا، إِنَّكِ تَهْتَمِّينَ بِأُمُورٍ كَثِيرَة، وَتَضْطَرِبِين! إِنَّمَا المَطْلُوب
ُ وَاحِد! هذا هو حال ‏الحكومة اليوم التي تخضع لضغوطات كبيرة سواء من الداخل أو الخارج. المطلوب هو ‏التركيز على المواطن اللبناني، على لقمة عيشه، على صحته، طبابته، تعليمه، عمله... ‏نعم هذا هو المطلوب وكل الضغوطات سواء كانت سياسية أو غير سياسية ستختفي ‏عندما تضع الحكومة المواطن كأولوية في سياساتها الإقتصادية‎.‎


تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب